للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركب حامد، وهو عامل واسط الى بستان له، فراى في طريقه دارا محترقه وشيخا يبكى وحوله نساء وصبيان على مثل حاله، فسال عنه، فقيل هذا رجل تاجر احترقت داره، فافتقر، وافلت بنفسه وعياله على هذه الصورة، فوجم ساعه، ثم قال: فلان الوكيل! فجاء، فقال: اريد ان اندبك لامر ان عملته كما اريد، فعلت بك وصنعت وذكر جميلا، وان تجاوزت فيه رسمي فعلت بك وصنعت- وذكر قبيحا، فقال: مر بأمرك، فقال: ترى هذا الشيخ، قد آلمني قلبي له، وقد تنغصت على نزهتى بسببه، وما تسمح نفسي بالتوجه الى بستاني الا بعد ان تضمن لي انى إذا عدت العشية مع النزهه وجدت الشيخ في داره، وهي كما كانت مبنية مجصصه، نظيفة، وفيها الفرش والصفر والمتاع من صنوفه وصنوف الآلات، مثل ما كان فيها، وعلى جميع عياله من كسوه الشتاء والصيف، مثل ما كان لهم.

قال الشيخ: فتقدم الى الخادم ان يطلق ما أريده، والى صاحب المعونة ان يقف معى، ويحضر كل ما أريده من الصناع، فتقدم حامد بذلك، وكان الزمان صيفا، فاحضر اصناف الروزجايه والبنائين، فكانوا ينقضون بيتا ويطرحون فيه من يبنيه وقيل لصاحب الدار: اكتب جميع ما ذهب منك، فكتب حتى المكنسه والمقدحة، واحضر جميع ذلك.

وصليت العصر، وقد سقفت الدار كلها، وجصصت وغلقت الأبواب ولم يبق الا البياض والطوابيق، فانفذ الى حامد وساله التوقف في البستان، والا يركب منه الى ان يصلى العشاء الأخيرة، وقد بيضت الدار وكنست وفرشت، ولبس الشيخ وعياله الثياب، ودفعت اليهم الصناديق والخزانه مملوءة بالأمتعة.

واجتاز حامد، والناس مجتمعون له كأنه نهار في يوم عيد، فضجوا بالدعاء له، فتقدم الى الجهبذ بخمسه آلاف درهم، يدفعها اليه، يزيدها في بضاعته، وسار حامد الى داره.

وفي هذه السنه، توفى ابو إسحاق ابراهيم بن السرى الزجاج، صاحب المعانى، وكان يخرط الزجاج، فاتى المبرد، وكان يعلم لكل واحد بأجره على قدر معيشته،

<<  <  ج: ص:  >  >>