ومضى القرمطى هاربا، وبذل لمن يأتيه بالفتكين مائه الف دينار.
وكان الفتكين يميل الى المفرج بن دغقل بن الجراح الطائي، وبتمرده لملاحته، وشاع ذلك عنه، فانهزم يطلب ساحل البحر، ومعه ثلاثة من غلمانه، وبه جراح، وقد جهده العطش، فلقيته سريه فيها المفرج، فلما رآه، التمس منه ماء، فسقاه، وقال له: سيرني الى اهلك، فحمله الى قريه تعرف بلبني، واحضر له ماء وفاكهة، ووكل به جماعه، وبادر الى العزيز فاخبره، فاعطاه المال الذى ضمنه، ومضى معه جوهر فتسلمه.
وتقدم بضرب مضارب، واحضر كل من حصل في الاسر من اصحاب الفتكين، فامنهم وكساهم، وجعل كل واحد منهم فيما كان فيه معه، ووصل الفتكين فاخرج العسكر لاستقباله، وهو لا يشك انه مقتول.
فلما وصل الى النوبه، وراى اصحابه مكرمين، وترجل الناس له، وحمل الى دست قد نصب ليجلس فيه، رمى بنفسه الى الارض، والقى عمامته، وعفر وبكى بكاء شديدا، وقال: لم استحققت هذا الإبقاء! وامتنع من الجلوس في الدست.
ووافاه أمين الدولة ابو الحسن بن عمار، وجوهر والخدم على ايديهم الثياب، واعلموه رضا العزيز عنه، والبسوه الخلع، وتقدم الى البازيار به واصحاب الجوارح بالمصير الى مضربه، وراسله بالركوب الى الصيد تانيسا له، وقاد اليه عده دواب، وعاد عشاء، واستقبله الفراشون والنفاطون بالمشاغل، ونزل وركب العزيز اليه ليلا، فقبل الارض وخاطبه بما سكن منه، وجعله حاجب حجابه.
وعفا عن الحسن بن احمد القرمطى، واقام بطبريه، وجعل له سبعين الف دينار في كل سنه، وتوجه اليه جوهر، وقاضى الرملة فاستخلفاه.
ومضى الفتكين مع العزيز الى مصر، وقد استامن اليه أخو عز الدولة وابنه، فزاد في اكرام الفتكين.
وكان يتكبر على ابى الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، وتدرجت الوحشة، وامرهما العزيز بالإصلاح، فلم يفعل الفتكين، فدس عليه ابو الفرج سما فقتله، وحزن عليه العزيز، وقبض على ابى الفرج، وقد اتهمه بقتله نيفا واربعين يوما، وأخذ منه خمسمائة الف دينار، ووقفت الأمور باعتزاله الظر، فاعاده حين لم يجد منه بدا