لا ركبت رجلك من بين الدلي ... لقد ركبت مركبا غير الوطي
على العراقي بصفا من الطوي ... إن كنت غضبي فاغضبي على الركي
وعاتبي القيم عمرو بن عدي.
فصار الملك بعد جذيمة لابن أخته عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن الحارث بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم، وهو أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وأول من مجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق، وإليه ينسبون، وهم ملوك آل نصر، فلم يزل عمرو بن عدي ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة، منفردا بملكه، مستبدا بأمره، يغزو المغازي ويصيب الغنائم، وتفد عليه الوفود دهره الأطول، لا يدين لملوك الطوائف بالعراق، ولا يدينون له، حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس.
وإنما ذكرنا في هذا الموضع ما ذكرنا من أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدي لما كنا قدمنا من ذكر ملوك اليمن، إنه لم يكن لملكهم نظام، وأن الرئيس منهم إنما كان ملكا على مخلافه ومحجره، لا يجاوز ذلك، فإن نزع منهم نازع، أو نبغ منهم نابغ فتجاوز ذلك- وإن بعدت مسافة سيره من مخلافه- فإنما ذلك منه عن غير ملك له موطد، ولا لآبائه، ولا لأبنائه، ولكن كالذي يكون من بعض من يشرد من المتلصصة، فيغير على الناحية باستغفاله أهلها، فإذا قصده الطلب لم يكن له ثبات، فكذلك كان أمر ملوك اليمن، كان الواحد منهم بعد الواحد يخرج عن مخلافه ومحجره أحيانا فيصيب مما يمر به ثم يتشمر عند خوف الطلب، راجعا إلى موضعه ومخلافه، من غير أن يدين له أحد من غير أهل مخلافه بالطاعة، أو يؤدي إليه خرجا، حتى كان عمرو