بمن كان قبل مملكته بالسنن الصالحة وبأدبهم وكانوا لسوء أدبه، ومخافة سطوته، متواصلين متعاونين، وكان من رأيه أن يعاقب كل من زل عنده وأذنب إليه من شدة العقوبة بما لا يستطاع أن يبلغ منه مثلها في مده ثلاثمائة.
وكان لذلك لا يقرعه بسوط انتظارا منه للمعاقبة له بما ليس وراءه أفظع منه.
وكان إذا بلغه أن أحدا من بطانته صافى رجلا من أهل صناعته أو طبقته نحاه عن خدمته.
وكان استوزر عند ولايته نرسي حكيم دهره وكان نرسي كاملا في أدبه، فاضلا في جميع مذاهبه، متقدما لأهل زمانه وكانوا يسمونه مهر نرسى ومهر نرسه، ويلقب بالهزار بنده، فأملت الرعية بما كان منه أن ينزع عن أخلاقه، وأن يصلح نرسي منه، فلما استوى له الملك، اشتدت إهانته الأشراف والعظماء، وحمل على الضعفاء، وأكثر من سفك الدماء، وتسلط تسلطا لم يبتل الرعية بمثله في أيامه فلما رأى الوجوه والاشراف انه لا يزداد الا تتايعا في الجور، اجتمعوا فشكوا ما ينزل بهم من ظلمه، وتضرعوا إلى ربهم، وابتهلوا إليه بتعجيل إنقاذهم منه فزعموا أنه كان بجرجان، فرأى ذات يوم في قصره فرسا عائرا- لم ير مثله في الخيل، في حسن صورة، وتمام خلق- أقبل حتى وقف على بابه، فتعجب الناس منه، لأنه كان متجاوز الحال، فأخبر يزدجرد خبره، فأمر به أن يسرج ويلجم، ويدخل عليه، فحاول ساسته وصاحب مراكبه إلجامه وإسراجه، فلم يمكن أحدا منهم من ذلك، فأنهي إليه امتناع الفرس عليهم، فخرج ببدنه إلى الموضع الذي كان فيه ذلك الفرس فألجمه بيده، وألقى لبدا على ظهره، ووضع فوقه سرجا، وشد حزامه ولببه فلم يتحرك الفرس بشيء من ذلك، حتى إذا رفع ذنبه ليثفره استدبره الفرس فرمحه على فؤاده رمحة هلك منها مكانه، ثم لم يعاين ذلك الفرس ويقال: إن الفرس ملأ فروجه جريا فلم يدرك ولم