بلادهم إلا ما كان كسرى غلب عليه منها، وإنه استمال أبخز، وبنجر، وبلنجر، فمنحوه طاعتهم وأعلموه أن ملوك فارس لم يزالوا يتقونهم بفداء يكفونهم به عن غزو بلادهم، وأنه أقبل في مائة ألف وعشرة آلاف مقاتل حتى شارف ما والى بلاد صول، وأرسل إلى كسرى في توعد منه إياه واستطالة عليه، أن يبعث إليه بأموال، وإلى أبخز وبنجر وبلنجر بالفداء الذي كانوا يعطونه اياه قبل ملك كسرى، وأنه إن لم يعجل بالبعثة إليه بما سأل وطيء بلاده وناجزه فلم يحفل كسرى بوعيده، ولم يجبه إلى شيء مما سأله لتحصينه كان ناحية باب صول، ومناعة السبل والفجاج التي كان سنجبوا خاقان سالكها إياه، ولمعرفته كانت بمقدرته على ضبط ثغر أرمينية بخمسة آلاف مقاتل من الفرسان والرجالة.
فبلغ سنجبوا خاقان تحصين كسرى ثغر صول، فانصرف بمن كان معه إلى بلاده خائبا، ولم يقدر من كان بإزاء جرجان من العدو- للحصون التي كان أمر كسرى فبنيت حواليها- أن يشنوها بغارة، ويغلبوا عليها، وكان كسرى أنوشروان قد عرف الناس منه فضلا في رأيه وعلمه وعقله، وبأسه وحزمه، مع رأفته ورحمته بهم، فلما عقد التاج على رأسه دخل إليه العظماء والأشراف فاجتهدوا في الدعاء له، فلما قضوا مقالتهم، قام خطيبا، فبدأ بذكر نعم الله على خلقه عند خلقه إياهم، وتوكله بتدبير أمورهم، وتقدير الأقوات والمعايش لهم، ولم يدع شيئا إلا ذكره في خطبته، ثم أعلم الناس ما ابتلوا به من ضياع أمورهم، وإمحاء دينهم، وفساد حالهم في أولادهم ومعاشهم، وأعلمهم أنه ناظر فيما يصلح ذلك ويحسمه، وحث الناس على معاونته.
ثم أمر برءوس المزدكية فضربت أعناقهم، وقسمت أموالهم في أهل الحاجة، وقتل جماعة كثيرة ممن كان دخل على الناس في أموالهم، ورد الأموال إلى أهلها، وأمر بكل مولود اختلف فيه عنده أن يلحق بمن هو منهم، إذا لم