الى جده، فقال: يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ، أَرْسَلَكَ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَغَيْرَهُمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، أَلا وَإِنَّكَ فَوَّهْتَ بِعَظِيمٍ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ وَالْخُلَفَاءُ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْحِجَارَةَ وَالأَوْثَانَ، فَمَا لَكَ وَلِلنُّبُوَّةِ! وَلَكِنْ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةٌ، فَأَنْبِئْنِي بِحَقِيقَةِ قولك، وبدء شانك، قال:
فاعجب النبي ص بِمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَسْأَلُنِي عَنْهُ نَبَأً وَمَجْلِسًا، فَاجْلِسْ، فَثَنَّى رِجْلَيْهِ ثُمَّ بَرَكَ كَمَا يبرك البعير، فاستقبله النبي ص بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِي وَبَدْءَ شَأْنِي، أَنِّي دَعْوَةُ أَبِي ابراهيم، وبشرى أخي عيسى بن مَرْيَمَ وَإِنِّي كُنْتُ بِكْرَ أُمِّي، وَإِنَّهَا حَمَلَتْ بِي كَأَثْقَلِ مَا تَحْمِلُ، وَجَعَلَتْ تَشْتَكِي إِلَى صَوَاحِبِهَا ثِقَلَ مَا تَجِدُ.
ثُمَّ إِنَّ أُمِّي رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا نُورٌ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُتْبِعُ بَصَرِيَ النُّورَ، وَالنُّورُ يَسْبِقُ بَصَرِي، حَتَّى أَضَاءَتْ لِي مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا.
ثُمَّ إِنَّهَا وَلَدَتْنِي فَنَشَأْتُ، فَلَمَّا أَنْ نَشَأْتُ بُغِّضَتْ إِلَيَّ أَوْثَانُ قُرَيْشٍ، وَبُغِّضَ إِلَيَّ الشِّعْرُ، وَكُنْتُ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ مُنْتَبِذٌ مِنْ اهلى في بطن واد مع أَتْرَابٍ لِي مِنَ الصِّبْيَانِ نَتَقَاذَفُ بَيْنَنَا بِالْجُلَّةِ، إِذْ أَتَانَا رَهْطٌ ثَلاثَةٌ مَعَهُمْ طَسْتٌ مِنْ ذهب مليء ثَلْجًا، فَأَخَذُونِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، فَخَرَجَ أَصْحَابِي هِرَابًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطِ فَقَالُوا: مَا أَرَبُكُمْ إِلَى هَذَا الْغُلامِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا، هَذَا ابْنُ سَيِّدِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ فِينَا، مِنْ غُلامٍ يَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، فَمَاذَا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ، وَمَاذَا تُصِيبُونَ مِنْ ذَلِكَ! وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ قَاتِلِيهِ، فَاخْتَارُوا مِنَّا أَيَّنَا شِئْتُمْ، فَلْيَأْتِكُمْ مَكَانَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَدَعُوا هَذَا الْغُلامَ فَإِنَّهُ يَتِيمٌ فَلَمَّا رَأَى الصِّبْيَانُ الْقَوْمَ لا يُحِيرُونَ إِلَيْهِمْ جَوَابًا، انْطَلَقُوا هِرَابًا مُسْرِعِينَ إِلَى الحى، يؤذنونهم ويستصرخونهم عَلَى الْقَوْمِ، فَعَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي عَلَى الأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute