وذكروا أن قريشا حين استيقنوا بأن ذلك كان عند الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف، خرجوا به إلى كاهنة من كهان العرب، فسجعت عليه من كهانتها بألا يدخل مكة عشر سنين، بما استحل من حرمة الكعبة، فزعموا أنهم أخرجوه من مكة، فكان فيما حولها عشر سنين، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم، فتشرف على جدار الكعبة، فكانوا يهابونها، وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزالت وكشت وفتحت فاها، فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله عليها طائرا، فاختطفها فذهب بها، فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله عز وجل قد رضي ما أردنا عندنا عامل رقيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله أمر الحية وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله ص عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة.
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ ابن عمران بن مخزوم، فتناول من الكعبة حجرا، فوثب من يده، حتى رجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، ولا تدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.
قال: والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة، حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن أبي نجيح المكي، أنه حدث عن عَبْد اللَّهِ بن صفوان بن أُمَيَّة بن