للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَنَعْتَ! لَقَدْ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقُلْتَ مَا لَمْ يَقُلْ لَكَ! فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ص عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا، وَخَافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَثِيرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- وَكَانَ بِهِ رَحِيمًا- يُعَزِّيهِ وَيُخَفِّضُ عَلَيْهِ الأَمْرَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُ قَبْلَهُ نَبِيٌّ وَلا رَسُولٌ تَمَنَّى كَمَا تَمَنَّى، وَلا أَحَبَّ كَمَا أَحَبَّ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ قَدْ أَلْقَى فِي أُمْنِيَّتِهِ، كَمَا القى على لسانه ص، فَنَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، أَيْ فَإِنَّمَا أَنْتَ كَبَعْضِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ الْحَزَنَ، وَآمَنَهُ مِنَ الَّذِي كَانَ يَخَافُ، وَنَسَخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ: أَنَّها الْغَرَانِيقُ الْعُلَا وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى، بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ ذَكَرَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى:

«أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» أي عوجاء، «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ» - الى قوله- «لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى» ، أَيْ فَكَيْفَ تَنْفَعُ شَفَاعَةُ آلِهَتِكُمْ عِنْدَهُ! فَلَمَّا جَاءَ مِنَ اللَّهِ مَا نَسَخَ مَا كَانَ الشَّيْطَانُ أَلْقَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ مَنْزِلَةِ آلِهَتِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَغَيَّرَ ذَلِكَ وَجَاءَ بِغَيْرِهِ، وَكَانَ ذَانِكَ الْحَرْفَانِ اللَّذَانِ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لسان رسول الله ص قَدْ وَقَعَا فِي فَمِ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَشِدَّةً عَلَى من اسلم واتبع رسول الله ص منهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>