للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإجماع: فلأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لما أخبرتهم عائشة رضي الله عنها بأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من التقاء الخِتَانَيْن (١) ، رجعوا إلى ذلك بعد اختلافهم، وذلك يدلُّ على أنَّه عندهم محمول على الوجوب. ولأنهم (٢) واصلوا الصيام لمَّا (٣) واصل (٤) ،

وخلعوا نِعَالهم لمَّا (٥) خلع صلى الله عليه وسلم (٦) ، وكانوا شديدين الاتباعَ له صلى الله عليه وسلم في أفعاله.

وأما المعقول فمن وجهين:

الأول: أن فعله صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون المراد به الوجوب، ويجوز أن لا يكون، والاحتياط يقتضي حمله على الوجوب (٧) .


(١) حديث اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الغسل من التقاء الختانين واحتجاج عائشة رضي الله عنها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، انظره في: المصنّف لعبد الرازق ١/٢٤٩، شرح معاني الآثار للطحاوي (١/٥٨) ، كما ورد موقوفاً على عائشة رضي الله عنها قولها: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ... )) . أخرجه النسائي (١٩٦) ، والترمذي (١٠٨) وقال: ((حسن صحيح)) ، وابن ماجه (٦٠٨) وغيرهم، وصححه ابن كثير في كتابه: تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص ١١٤، وانظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي ص ٥٣، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني ١/١٢١.
(٢) في س: ((وأنهم)) .
(٣) في ن: ((كما)) .
(٤) في س: ((وصل)) . وحديث الوِصَال ورد بألفاظٍ مختلفةٍ من طرقٍ عِدَّةٍ في مصادر جَمَّةٍ. منها: ما رواه البخاري (١١٩٢) ومسلم (١١٠٢) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس فشقَّ عليهم، فنهاهم. قالوا: إنك تواصل. قال: ((لست كهيئتكم، إني أظَلُّ أطْعَم وأسْقَى)) . قال النووي في معنى الوصال:
((
هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما)) شرح صحيح مسلم (٧/١٨٣) .
(٥) في ق: ((كما)) .
(٦) حديث خلع النعال من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما رسول صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:» ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ «قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله:» إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قَذراً، أو قال أذىً ... «الحديث. رواه الإمام أحمد (٣/٢٠، ٩٢) ، وأبوداود (٦٥٠) والحاكم (٩٥٥) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في: المجموع شرح المهذب ٣٠/١٤٠، والألباني في: إرواء الغليل ١/٣١٤.
(٧) ذكر القرافي في نفائس الأصول (٥/٢٣٢٢) بأن الاحتياط والرجحان تارة يكون في أفعال المكلفين، وتارة يكون في أدلة المجتهدين. ففي الأول: الاحتياط والرجحان يقتضي الندب. وفي الثاني: يقتضي الوجوب؛ لإجماع الأمة على أن المجتهد يجب عليه الفتيا بالراجح والعلم به. والاحتياط المذكور هنا هو احتياط في الدليل لا في الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>