ويمكن أن يُمثَّل لقول المصنف: "إن حصول الفرق لا يمنع من الاشتراك في الحكم" كما تقول: زيد فقيه وهو حيوان، وعمرو ليس بفقيه، فلا يلزم أن لا يكون عمرو حيواناً لوجود الفرق. (٢) هذه مسألة مفرَّعة عن سابقتها، وهي: هل المتواتر يفيد العلم الضروري؟ ابتداءً أذكر تقسيم العلماء للعلم إلى قسمين، الأول: العلم الضروري: وهو الذي لا يحتاج إلى نظرٍ واستدلال. أو هو: ما لزم المخلوقَ على وجهٍ لا يمكن دفعه عن نفسه بشكٍّ ولا شبهة، كالعلم الحاصل عن الحواس الخمس. والثاني: العلم النظري أو المكتسب أو الاستدلالي: وهو العلم الذي يحتاج إلى نظرٍ وفكرٍ واستدلالٍ؛ كالعلم بحدوث العالم مثلاً. انظر: العدة لأبي يعلى ١/٨٠ وما بعدها، الحدود للباجي ص ٢٥، ٢٧، الشرح الكبير على الورقات للعبادي ١/٢٥٨ وما بعدها.
أما مسألتنا هذه ففيها ثلاثة أقوال، الأول: المتواتر يفيد العلم الضروري وهو للجمهور، والثاني: يفيد العلم النظري، عزاه المصنف إلى أبي الحسين البصري والجويني والغزالي، ومعهم أيضاً الكعبي من المعتزلة، وأبوبكر الدقاق من الشافعية، واختاره أبوالخطاب. الثالث: التوقف، لتعارض أدلة الطرفين، وهو مختار الآمدي. وزاد الزركشي مذهباً رابعاً: وهو أنه بين الضروري والنظري. البحر المحيط له ٦/١٠٧. انظر المسألة في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص١١٩، التقريب والإرشاد للباقلاني ١/١٩٠، إحكام الفصول ص٣٢٠، شرح اللمع للشيرازي ٢/٥٧٥، التمهيد لأبي الخطاب ٣/٢٢، المحصول للرازي ٤/٢٣٠، التوضيح لحلولو ص٢٩٨ فتح الغفار ٢/٧٧، فواتح الرحموت ٢/١٤٣، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص١٦. (٣) انظر المراجع السابقة. (٤) انظر: المعتمد ٢/٨١. (٥) انظر: البرهان ١/٣٧٥. (٦) انظر: المستصفى ١/ ٢٥٢ - ٢٥٤، المنخول ص ٢٣٧.