للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقوق، فهو يَسْتَصْحِب هذه الحالة، حتى يدلَّ دليلٌ على شَغْل الذمَّة بحقٍّ، فهذا يكفي في مباشرته صلى الله عليه وسلم لهذه الأفعال.

فائدة: تقدَّم أن الصواب كَسْر الباء (١) ، وهو الذي يظهر لي (٢) ، غير أنه وقع لسيف الدين في هذه المسألة كلام يدل على خلاف ذلك، وهو أن قال: غير مستبعد في العقل أن يعلم الله تعالى مصلحة شخص معين في تكليفه شريعة مَنْ قبله (٣) ، وهذا كلام يقتضي فتح الباء، فانظرْ في ذلك لنفْسِك، وأما غيره فلم [أرَ له تعرضاً] (٤) لذلك (٥) ، فما أدري، هل اغترَّ بالموضع فأطلق هذه العبارة في الاستدلال، أو (٦) هو أصل يعتمد عليه؟.

فائدة: حكاية الخلاف في أنه صلى الله عليه وسلم كان متعبِّداً قبل نبوته بشرع من

قبله، يجب أن يكون مخصوصاً بالفروع دون الأصول. فإن قواعد العقائد كان

الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعاً، ولذلك (٧) انعقد الإجماع على أن موتاهم

في النار يُعذَّبون على كفرهم، ولولا التكليف* لما عُذِّبوا (٨) ، فهو صلى الله عليه وسلم مُتعبَّد


(١) في كلمة ((متعبِّد)) . انظر ذلك في ص ٢٥.
(٢) ساقطة من ق.
(٣) انظر الإحكام لسيف الدين الآمدي ٤/١٣٧.
(٤) في س، ق: ((أره يتعرَّض)) .
(٥) قال الزركشي ـ بعد نقله لكلام القرافي هذا ـ قلت: ((قد وقع ذلك في عبارة غيره كما سبق)) البحر المحيط ٨/٤٢. وانظر هامش (١) ص (٢٥) .
(٦) في ق: ((أم)) وهو ما لا يجيزه كثير من علماء النحو والبلاغة؛ لأن ((هل)) خاصةٌ بالاستفهام عن التصديق، ولا يُطْلب لها تعيين أحد الشيئين كالهمزة و ((أم)) . انظر: مغني اللبيب لابن هشام ١ / ٩٠ - ٩٦، ٦٥٧، عقود الجُمان في المعاني والبيان للسيوطي بشرح العمري المرشدي ١ / ١٧٤ - ١٧٦. لكن قال سيبويه: ((وإن شئت قلتَ: هل تأتيني أم تحدثني؟ وهل عندك بُرٌّ أم شعير؟)) الكتاب ٣ / ١٧٦.
(٧) في ق: ((وكذلك)) .
(٨) مسألة انعقاد الإجماع على أن موتى الجاهلية في النار فيها نظر. فإن من أهل العلم من اعتبرهم من ((أهل الفترة)) وهم الذين عاشوا بين رسولين ولم يكن الأول مرسلاً إليهم ولا أدركوا الثاني. وحكمهم في الدنيا أنهم كفار، ولكن لا يُقطع بدخولهم النار إلا ما ورد في بعضهم من أحاديث خاصة بتعذيبهم؛ لعلم الله تعالى بمصيرهم وإعلامه نبيَّه صلى الله عليه وسلم بذلك. ومما يدل على عدم تعذيبهم قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥] . فلا مؤاخذة إلا بعد قيام الحُجَّة الرسالية. وقد جاءت أحاديث تفيد بامتحان الله لأهل الفترة في عَرَصَات يوم القيامة. انظر: شرح الأبِّي والسنوسي على صحيح مسلم ١ / ٦١٦، طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية ص ٦٣٣، ٦٥٢ وما بعدها، ٦٧٥ - ٦٨٢، روح المعاني للألوسي ٨ / ٣٨ وما بعدها، أضواء البيان تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي ٣ / ٤٧١ وما بعدها؛ أهل الفترة ومن في حكمهم لموفق أحمد شكري.

<<  <  ج: ص:  >  >>