للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني

في اتباعِهِ صلى الله عليه وسلم (١)

ص: قال جماهير الفقهاءِ والمعتزلةِ (٢) : يجب اتباعُه صلى الله عليه وسلم في فِعْله، إذا عُلِم وجْهُه [وجب اتباعه] (٣) في ذلك الوَجْه، لقوله تعالى: {وَمَا?آتَاكُم الرَّسُولُ?فخُذُوهُ} (٤) والأمر ظاهر في الوجوب (٥) .

وقال أبو علي بن خَلاَّدٍ (٦) به (٧) في العبادات فقط (٨) .


(١) هذه المسألة تسمَّى: بمسألة التأسِّي به صلى الله عليه وسلم. فمن سمَّاها: اتباعه صلى الله عليه وسلم فباعتبار قوله تعالى: "واتبعوه " [الأعراف: ١٥٨] ، ومن سمَّاها: التأسِّي به فباعتبار قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] .

ومرادهم بالاتباع أو التأسِّي بالرسول صلى الله عليه وسلم هو: أن نفعل صورة ما فَعَل، على الوجه الذي فعل، لأجل أنه فعل. ويكون التأسِّي به في الترك أيضاً: بأن نترك مثل ما ترك، على الوجه الذي ترك، لأجل أنه ترك. ولكن الاتباع أوسع من التأسِّي؛ لأنه يشمل الاتباع في القول والفعل. انظر: المعتمد ٣٤٣، بذل النظر في الأصول للأسْمَنْدي ص٥٠١ - ٥٠٣، الإحكام للآمدي ١/١٧٢، شرح الكوكب المنير ٢ / ١٩٦.
ويلاحظ هنا: أن هذه المسألة قد تلتبس بالمسألة السابقة في الفصل الأول ص (٢) ، لأن القائلين هناك بأن دلالة فعله صلى الله عليه وسلم على الندب أو الوقف أي لا يجب التأسي، يقولون هنا: إنه يجب اتباعه صلى الله عليه وسلم والتأسِّي به. قال القرافي: ((هذه المسألة في غاية الالتباس بالتي قبلها، غير أنّ الفرق بينهما من جهةٍ، وهو أن البحث في المسألة الأولى أنه: هل نُصِبَ فِعْلُه عليه الصلاة والسلام دليلاً أم لا؟ فإن لم يُنْصَب دليلاً - كما في إمام الصلاة والخليفة وولاة الأمور - لكِن يجب اتباعه، كما تجب طاعتهم واتباعهم، وإن كنا لا نقول: بأنَّ أفعالهم نصبت دليلاً شرعياً)) انتهى بتصرّف من: نفائس الأصول ٥ / ٢٣٣٤.
كذلك يمكن أن يُعرف الفرق بين المسألتين بأن الأولى: في دلالة فعله صلى الله عليه وسلم المجرّد وقد جُهِلت الصفة التي أوقعه عليها، آلْوُجوبُ أم الندب أم الإباحة؟. أما هنا فقد عُلِمت الصفة فوجب التأسِّي به على الوجه الذي أوقعه عليه.
(٢) في س: ((وأكثرُ المعتزلة)) وهو من انفراداتها، وهو صواب أيضاً؛ لأنّ ابن خَلاَّد منهم، ولم يَقُلْ بقولهم. والمثبت هنا مَخْفُوضٌ لعطفه على ((الفقهاء)) وتقديره: ((وجماهير المعتزلة)) .
(٣) ساقط من س.
(٤) الحشر، من الآية: ٧.
(٥) انظر هذا القول وأدلته عند الجماهير من الفقهاء والمعتزلة في: المعتمد ١/٣٥٤، التمهيد لأبي الخطاب
٢ / ٣١٣، بذل النظر ص٥١١، نهاية الوصول للهندي ٥/٢١٥٤، تحفة المسؤول للرهوني القسم
١ / ٤٤٣، هداية العقول للحسين بن القاسم ١ / ٤٦٢.
(٦) هو: أبو علي محمد بن خَلاَّد البصري المعتزلي، تتلمذ على أبي هاشم الجبَّائي، وهو صاحب كتاب
" الأصول " وكتاب "الشرع " وغيرهما. مات ولم يبلغ حَدَّ الشيْخُوخة. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص ٣٢٤، الفهرست لابن النديم ص ٣٠٥.
(٧) ساقطة من ق، ن.
(٨) انظر مذهب ابن خلاَّد في: المعتمد ١ / ٣٥٤، منهاج الوصول للمهدي ابن المرتضى ص ٥٦٨، هداية العقول للحسين بن القاسم ١/٤٦٢. وفي المسألة أقوال أخرى، منها: أن التأسي على الندب، ومنها:

<<  <  ج: ص:  >  >>