للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة النافين لحجية القياس]

احتجوا بوجوهٍ، أحدها: قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (١)

والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله. وثانيها: قوله عليه الصلاة والسلام: ((تعمل هذه الأمة بُرْهةً بالكتاب وبُرْهةً بالسنة وبُرْهةً بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضَلُّوا)) (٢) . وثالثها: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يذمُّون القياس، قال الصدِّيق رضي الله عنه: ((أيُّ سماءٍ تُظِلُّنِي وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إذا قلتُ في كتاب الله برأيي)) (٣) ، وقال عمر رضي الله عنه: ((إيَّاكم وأصحابَ الرأي فإنهم أعداءُ السُّنَن (٤)

أعْيَتْهم الأحاديثُ أن يُحْصُوها (٥) ،

فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضلُّوا)) (٦) . وقال


(١) ابن عباس رضي الله عنهما لما قالت المرأة الخثعمية: أفأحجُّ عنه؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، فإنه لو كان على أبيك دَيْن قضيتِهِ)) . ومما يشابه حديثَ المصنف حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما في رجلٍ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حج أبيه، وهو شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، فقال له: ((أفرأيتَ لو كان عليه دَيْنٌ فقضيْتَه أكان مُجْزِئاً؟)) قال: نعم. قال: ((فحجَّ عن أبيك)) رواه النسائي في سننه الصغرى (٥٤٠٨) ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٤٢٩) . وكذلك حديث ابن عباس عن امرأةٍ من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: ((نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَيْنٌ أكنْتِ قاضيتَه؟ ، اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء)) رواه البخاري (١٨٥٢) .
(
) سورة المائدة، من الآية: ٤٧.
(٢) رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو يعلى في مسنده (١٠ / ٢٤٠) ، والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (١ / ٤٤٩) ، وابن حنبل في: العلل ومعرفة الرجال (١ / ٤٧٠) ، والعُقيلي في: الضعفاء (١ / ٢٠٧) ، وابن حزم في الإحكام (٢ / ٢٢٥) وغيرهم، وجميعها ليس فيها لفظ ((القياس)) بل مكانها ((الرأي)) والحديث ضعَّفه الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ١٧٩) ، والألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (٢٤٥٧) . وقال الزركشي: ((هذا حديث لا تقوم به حجة)) المعتبر ص ٢٢٦.
(٣) رواه البيهقي في شعب الإيمان (٢ / ٤٢٤) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٨٣٤) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (٦ / ١٣٦) . وقال ابن كثير في تفسيره (١ / ١٦) بأنه منقطع. وأورد ابن حجر الحديث من طريقين كلاهما فيه انقطاع، ثم قال: ((لكن أحدهما يقوي الآخر)) فتح الباري
١٣ / ٣٣٦.
(٤) في ق: ((الدِّين)) ولم أجدها في روايات الأثر، ولعلَّها تحريف.
(٥) في ن: ((يُحصِّلوها)) ولم أجدها فيما وقفت عليه من روايات الأثر، وفي س: ((يحصرها)) وهو خطأ

نحوي، لأن الواجب اتصال واو الجماعة بها ليكون من الأفعال الخمسة. والصواب: ((يحصروها)) ، والذي وجدته في الأثر لفظ ((يحفظوها)) .
(٦) أخرجه الدارقطني في سننه (٤ / ١٤٦) ، والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (١ / ٤٥٣) ، وابن حزم في: الإحكام (٢ / ٧٨٠) ، وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (٢/ ١٠٤٢، ١٠٤٣) . قال ابن القيم - بعد سوقه جملةً من الآثار عن عمر رضي الله عنه هذا أحدُها - قال: ((وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة)) إعلام الموقعين (١ / ٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>