للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المقيد. ولقوله تعالى في الآية الأخرى {ممن ترضون من الشهداء} (١) وإذا اشْتُرِطتْ العدالة في الشهادة المتعلقة بأمر جزئي لا يتعداه الحكم المشهود به فأولى الرواية، لأنها (٢) تُثْبتُ حكماً عاماً على الخلق إلى يوم القيامة، ولأن الدليل ينفي العمل بالظن خالفناه في حق العدل (٣) ، فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل. ولقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (٤) دل على عدم قبول قول الفاسق فلابد من العلم بعدم الفسق حتى يتغيَّر حكم التوقف (٥) وذلك هو ثبوت العدالة، وهو المطلوب.

[تعريف الصحابي وعدالته]

ومعنى قول العلماء: "الصحابة رضوان الله عليهم عدول (٦)

" أي: الذين كانوا ملازمين له والمهتدين بهديه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو أحد التفاسير للصحابة (٧) . وقيل: الصحابة من رآه ولو مرةً، وقيل: من كان في زمانه (٨) ،

وهذان القسمان


(١) البقرة، من الآية: ٢٨٢.
(٢) في ن: ((التي)) وهي سائغة، وفي س: ((لا)) وهي خطأ إلا أن يكون قد سقط مها جزء الكلمة ((نها)) .
(٣) في ق: ((العدول)) .
(٤) الحجرات، من الآية: ٦.
(٥) الإضافة هنا بيانية، والمعنى حتى يتغير الحكم الذي هو التوقف. والتوقف يكون عند عدم العلم بالعدالة.
(٦) اختلف في عدالة الصحابة على مذاهب شتى، منها:
١- ... الصحابة كلهم عدول مطلقاً، وهو مذهب أهل السنة ومن وافقهم، وهو الحق الذي تؤيده أدلة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
٢- ... سلب العدالة عن الصحابة إلا قلة منهم، وهو مذهب الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.
٣- ... كلهم عدول إلا من قاتل علياً رضي الله عنه أو لابس الفتنة، وهو للمعتزلة.

٤- ... إنما تثبت العدالة لمن لازم النبي صلى الله عليه وسلم دون من رآه أو زاره أو وفد عليه مدة يسيره.
٥- ... الصحابة كغيرهم من المسلمين، فيهم العدل وغيره. وهذه الأقوال ما خلا الأول جرأة على الصحابة رضي الله عنهم. انظر: إحكام الفصول ص٣٧٤، المستصفى ١/٣٠٧، الموافقات للشاطبي ٤/٤٤٦، شرح الكوكب المنير ٢/٢٧٣، فواتح الرحموت ٢/١٩٨، الباعث الحثيث ٢/٤٩٨، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ١/١٦٢، ظفر الأماني ص٥٣٩، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للعلائي ص٧١.
(٧) ساقطة من ق.
(٨) الصحابي لغة: نسبة إلى الصحابة، والصحابة في الأصل مصدر ثم صارت جمعاً، مفرده: صاحِب، ولم يُجمع فاعِل على فَعَالهَ إلا هذا، وصَاحَبَه: عَاشَرَه. انظر: مختار الصحاح، القاموس المحيط كلاهما مادة "صحب".

وأما اصطلاحاً: فالخلاف قائم بين المحدثين والأصوليين في تعريفه. قال ابن السمعاني: "وأما اسم الصحابي فهو من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالته صحبته مع النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته، وينبغي أن يطيل المكث معه على طريقة السمع له والأخذ عنه ـ ثم قال ـ وهذا الذي ذكرناه طريق الأصوليين. وأما عند أصحاب الحديث فيطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدوُّن من رآه رؤيةً من الصحابة، وهذا لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعطوا الكل ممن يراه حكم الصحبة. قواطع الأدلة ٢ / ٤٨٦ - ٤٨٩. وقال ابن حجر: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ـ ثم قال ـ هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل، ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال شاذة، كقول من قال: لا يُعدُّ صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا، أو استشهد بين يديه ... " الإصابة في تمييز الصحابة ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩. ثم إن ثمرة الخلاف تظهر في تعديل الصحابة، جاء في تيسير التحرير (٣ / ٦٧) " وينبني عليه ـ أي على الخلاف في حقيقة الصحابي ـ ثبوت عدالة غير الملازم وعدم ثبوتها، فلا يحتاج إلى التزكية كما هو قول المحدثين وبعض الأصوليين، أو يحتاج إلى التزكية كما هو قول جمهور الأصوليين " انظر المسألة في: العدة لأبي يعلى ٣ / ٩٨٧، الإحكام للآمدي ٢ / ٩٢، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب ٢/٦٧، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني ٢/١٦٦، البحر المحيط للزركشي ٦/١٩٠، رفع النقاب القسم ٢/٦٣٩، فواتح الرحموت ٢/٢٠٢، علوم الحديث لابن الصلاح ص٢٩٢، شرح المواهب اللدنية للقسطلاني ٧/٢٤، اليواقيت الدرر للمناوي ٢/٥٠٣، ظفر الأماني للكنوي ص٩٢٥، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للعلائي ص ٣٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>