للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

الحالة العلمية

تَزْدان الحياة العلمية في أيِّ عصرٍ وتزدهر بمقدار كثرة المدارس المنتشرة، والخِزَانات العامرة بالكتب الوفيرة، وبزيادة الحوافز المبذولة لطالبي العلم والراغبين فيه.

... والحالة العلمية لم تُحَاكِ الحالةَ السياسية المضطربة، بل ظلَّتْ ناميةً مزدهرةً، فبعد أن كانت بغداد ـ عاصمة الخلافة العباسية ـ مَحَطَّ العلماء من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ إلا أن إمامتها للعلماء انحسرت بعد سقوطها على أيدي التتار.

... وأخذت دمشق والقاهرة تتنازعان الرئاسة العلمية، وصارتا موئل العلماء، غير أن كفَّة مصر رجحت حين تكاثر وفود العلماء إليها نتيجةً لتعرض الشام إلى الغزو الصليبي والتتري.

وكان من أسباب النهضة العلمية في مصر أيضاً أن الدولة الفاطمية (العبيدية) سعتْ حثيثاً إلى بناء المدارس، وتعليم المذهب الرافضي وفَرْضِه على الناس، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي من بعدهم، فأنشأ المدارس السُّنِّية، وسعى إلى اجتثاث جذور المذهب الباطني الذي زرعته الدولة الفاطمية (العبيدية) ، وهكذا تتابع الملوك من بعده، ولاقى العلماء كل تشجيعٍ وإكرامٍ، وهكذا كان الأمر في عهد الدولة المملوكية.

ويلاحظ هنا أن بعض الكاتبين في تاريخ التشريع الإسلامي يصفون هذه الفترة الزمنية، والطور التاريخي بأنها فترة الجمود والتقليد، والهرم والشيخوخة (١) .

وفي تقديري إن هذا الحكم فيه مجافاة للواقع، وبُعْد عن الإنصاف، فلم يَخْلُ زمان من مجدِّدين يُحْيُون ما اندرس من علوم الشريعة، ويستنهضون همم الناس نحوها، وإن صَحَّتْ هذه المقولة في علم الفقه فلا تصحُّ في علم أصول الفقه، قال الشيخ محمد أبو زهرة (٢) : ((هذا العلم الذي غرس غرسه الإمام الشافعي رحمه الله لم يَضْعف من بعده،


(١) انظر: على سبيل المثال: تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ / محمد الخضري ص ٢٤٨، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للحجوي ٢/ ١٨٩.
(٢) هو محمد بن أبو زهرة، من علماء الشريعة، وعضو المجلس الأعلى للبحوث العلمية، ووكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة. له أربعون مؤلَّفاً، منها: أصول الفقه (ط) ، تاريخ الجدل في الإسلام (ط) ، وكتب أخرى عن الأئمة الأعلام. ت ١٣٩٤ هـ. انظر الأعلام للزركلي ٦ / ٢٥، أصول الفقه تاريخه ورجاله لشيخنا الدكتور / شعبان محمد إسماعيل ص ٦٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>