قال في مقدمة الذخيرة (١/٣٥)((وقد آثرت التنبيه على مذاهب المخالفين لنا من الأئمة الثلاثة، ومآخذهم في كثير من المسائل؛ تكميلاً للفائدة، ومزيداً في الاطلاع، فإن الحق ليس محصوراً في جهةٍ، فيعلم الفقيه أي المذهبين أقرب للتقوى، وأعلق بالسبب
الأقوى ... )) .
ومن الدلائل المشيرة إلى إنصافِهِ وتجرُّدِهِ للحق ما يلي:
(١) جاء في الفروق (١/١٢) قوله ((وهنا سؤالان مشكلان على المالكية. . .)) . وفي موضع آخر من الفروق (٣ / ١٧١) قال: ((وهذا موضع مشكل على
أصحابنا)) .
(٢) بعد مناقشته لمسألة بيع الطعام قبل قبضه قال في الفروق (١/١٩٣)
((فبقيت المسألة مشكلة علينا، ويظهر أن الصواب مع الشافعي)) .
(٣) قال في كتابه: الاستغناء في أحكام الاستثناء ص (٦٢٠)((ولا ينبغي أن ينازعهم (يقصد الشافعية) أصحابنا في هذا؛ فإنه على القواعد)) .
وأخيراً الإمام القرافي رغم وصوله منزلةً علميةً رفيعةً نجده لا يتردد في الاعتراف بعجزه عن ضبط مسألةٍ ما، وهذا في الحقيقة من كمال تواضعه وتجرده، فمثلاً:
لمَّا تأمَّل تعريفه للرخصة في " تنقيح الفصول " قال: ((والذي تقرر عليه حالي في شرح المحصول، وها هنا، أني عاجز عن ضبط الرخصة بحدٍّ جامعٍ مانعٍ، أما جزئيات الرخصة من غير تحديدٍ فلا عُسْر فيه، إنما الصعوبة في الحدِّ على ذلك الوجه)) (١) .
وهكذا إذا أخطأ القرافي وتبيَّن له وجه الصواب، لا يستنكف أن يرجع
عن خطائه. قال في شرح تنقيح الفصول ص (٤٣)((وقولي في الكتاب (يعني المتن) : الحقيقة استعمال اللفظ في موضوعه. صوابه: اللفظة المستعملة أو اللفظ
المستعمل. . .)) .
رحمة الله على الإمام القرافي، وعلى علماء الأمة أجمعين. آمين.