للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أن مقتضاه: صدور عقد صلح، وليس كذلك، وانما دخلها عليه الصلاة والسلام قهراً بغير قتال، إلا في أسفلها .. فإنه وقع فيه بعض قتال، ولم يكن له أثر في فتحها؛ لحصوله من غير احتياج إليه، وفي " مختصر البويطي " عن الشافعي رضي الله عنه: أنه عليه الصلاة والسلام دخلها عنوة، وقد كان تقدم منه بمر الظهران لأبي سفيان: من دخل داره .. فهو آمن، ومن أغلق بابه .. فهو آمن، ومن ألقى سلاحه .. فهو آمن، ومن أعطى أماناً على نفسه .. فهو آمن على نفسه وماله، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: "وهل ترك لنا عقيل من رباع" (١) لأنه لا يورث إلا ما كان الميت مالكًا له، قال شيخنا: وللصلح حالتان:

إحداهما: أن يكون على أن تكون البلد للمسلمين، وتقر في أيدي أهليها بخراج يؤدونه.

والثانية: أن يكون البلد لهم يؤدون خراجه، قال: ولم يتفق شيء من الحالتين في مكة، ولو اتفقت الحالة الأولى .. كانت الأرض والدور وقفاً؛ إما بنفس الاستيلاء على الأصح عندنا، وإما بوقف الإمام على ما رجحه الرافعي والنووي (٢)، فيؤدي ذلك إلى أنه لا تباع أرضها ولا دورها، وهو خلاف مذهب الشافعي، وأيضًا فالمشركون لا يضرب عليهم جزية، فلا يقر في أيديهم أرض بالخراج، ولكن من أسلم قبل الفتح .. فداره على ملكه لم تخرج عنه باستيلاء الكفار، ومن أسلم بعده .. أجرى عليه حكم الأمان.

ثانيها: أن تعبيره بالفاء يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح، وليس كذلك، بل مقتضى الصلح: أنها وقف؛ لأنها فيءٌ، وهو وقف إما بنفس حصوله، واما بإيقافه كما تقدم.

ثالثها: ومقتضاه: أنها على العنوة لا تباع، وليس كذلك؛ لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة، والصواب: أنه عليه الصلاة والسلام أقرَّ الدّورَ بِيَدِ أهلها على الملك الذي كانوا عليه، ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحاً أو عنوة، ولا يرد شيء من ذلك على قول "الحاوي" [ص ٦٠٩]: (ومكة ملك) لأن ذلك ثابت لها على كل حال، وهو المقصود، وليس متفرعا على الصلح ولا على عنوة، والله أعلم.

[فصل [في الأمان]]

٥٣٤١ - قول "التنبيه" [ص ٢٣٣]: (ومن أمنه مسلم بالغ عاقل مختار .. حرم قتله) فيه أمور: أحدها: أن محله أمان الآحاد في ما إذا كان المؤمّن واحدًا أو عددًا محصوراً كما صرح به


(١) أخرجه البخاري (٢٨٩٣)، (٤٠٣٢)، ومسلم (١٣٥١).
(٢) انظر "فتح العزيز" (١١/ ٤٥٠)، و"الروضة" (١٠/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>