ينبغي للقاضي أن ينظر فيها، وفي إنكار ذلك العدل لها، فإن كان يمكن أن تكون عن سهو وغفلة أو اجتهاد وتأويل ونحوه بحيث لا يخل بعدالته .. فيسمعها ويفصلها بيمين أو ببينة كغيرها، إلا أن يظهر له من المدعي تعنت .. فيدفعه، وإن كان إنكاره لا يمكن أن يكون إلا قادحًا فيه .. فينبغي أن لا تسمع دعوى المدعي وطلبه تحليفه إلا أن يأتي ببينة، وذلك لأن ما يدعيه والحالة هذه مخالف لما ثبت من عدالته، وله طريق وهو البينة، ولم يقم لنا دليل من الشرع على أن كل دعوى مسموعة، بل على أن الناس لو أعطوا بدعواهم .. لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
ومعنى هذا: دفع أن يعطى الناس بدعواهم، وإنما يعطى المدعي حيث يعطى بالبينة أو بإقرار المدعى عليه، وإن لم يكن كذلك .. فلا يعطى ويحلف المدعى عليه حيث تسمع دعوى المدعي، وأما متى تسمع؛ فليس في اللفظ تعرض لبيان، وهو مفوض إلى رأي القاضي، فإن رآها محتملة .. سمعها، أو مستحيلة .. ردها، وقد تختلف حال احتمالها، وهو مفوض إلى اجتهاده، وقد يستوي الأمران عنده .. فيسمعها بشروطها على من يسوغ سماع الدعوى عليه، وعند قوة كذبه ينبغي ألا يسمعها؛ فليس في الشرع ما يوجب سماع كل دعوى، ألا ترى أن في القسامة لما قوي جانب المدعي في اللوث .. كانت اليمين في جانبه، وترجح على جانب المدعى عليه؛ فلذلك إذا قوي جانب المدعى عليه .. ينبغي أن تندفع عنه اليمين حتى تقوم بينة تكون الحجة فيها أقوى من ظاهر حاله؛ فباب القسامة فتح لنا اعتماد الظنون. انتهى.
فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]
٥٩٢٤ - قول " التنبيه "[ص ٢٥١]: (وإذا ولى الإمام رجلًا .. كتب له العهد) و" المنهاج "[ص ٥٦٠]: (ليكتب الإمام لمن يوليه) قد يفهم وجوبه، وليس كذلك، بل هو استحباب صرح بذلك جمع من الأصحاب، ولا خلاف فيه، قاله شيخنا في " تصحيح المنهاج "؛ ولهذا لم يذكره " الحاوي "، ولا يختص ذلك بالإمام؛ فقاضي الإقليم إذا ولى نائبًا في عمل من إقليمه .. يستحب أن يكتب له تقليدًا بما فوضه إليه وبما يشترطه عليه.
٥٩٢٥ - قول " التنبيه "[ص ٢٥١]: (وأشهد على التولية شاهدين) أحسن من قول " المنهاج "[ص ٥٦٠]: (ويُشهد بالكتاب شاهدين) لأن الاعتماد على التولية دون الكتاب، قال الأصحاب: ليس هذا على قواعد الشهادات؛ إذ ليس هناك قاض يؤدي عنده الشهادة، قاله في " أصل الروضة "(١).