للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بابُ الاجتهاد

٢٤ - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ولو اشتبه ماء طاهر بنجس .. اجتهد وتطهر بما ظن طهارته) (١) فيه أمور:

أحدها: أن الثياب والأطعمة والتراب وغيرها .. كالماء، فلذلك عبر "الحاوي" بعبارة شاملة، فلو أسقط "المنهاج" لفظة (ماء) .. لكان أشمل، وكان العذر له عن ذلك: أن كلامه في المياه، وكذا: لو اشتبه طهور بمستعمل في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (٢).

ثانيها: اعترض الشيخ برهان الدين بن الفركاح على قوله: (اجتهد): بأنه إن أراد:

وجوب الاجتهاد .. شمل ما إذا قدر على طاهر بيقين، ولا يجب إذ ذاك، بل قيل: لا يجوز. أو الاستحباب .. اقتضى فيما إذا لم يقدر على المتيقن .. أنه يستحب، وهو إذ ذاك واجب.

أو الجواز .. لم يفهم منه الوجوب عند عدم المتيقن، وهو أهم ما يُنَبَّه عليه. انتهى (٣).

وقال بعضهم: المراد: أنه يجب أن يجتهد إن لم يجد غيرهما، ويجوز إن وجد (٤).

قلت: لا حاجة لذلك، بل هو محمول على الوجوب مطلقاً، ووجود متيقن لا يمنع وجوب الاجتهاد في هذين، لأن كلًا من خصال المخيَّر يصدق عليه أنه واجب، والله أعلم (٥).

ثالثها: كان ينبغي "للمنهاج" أن يقول من زيادته: (ما داما باقيين) فإنه صحح فيما إذا تلف أحدهما .. أنه لا يجتهد في الباقي، كما سيأتي.


(١) انظر "التنبيه" (ص ١٤)، و"المنهاج" (ص ٦٨).
(٢) الحاوي (ص ١٢٠).
(٣) انظر "بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج" (ق ٢).
(٤) انظر "السراج على نكت المنهاج" (١/ ٦٠).
(٥) قال في "مغني المحتاج" (١/ ٢٦): (وفيما قاله كما قال الجلال البكري نظر، وإن كنت جريت عليه في "شرح التنبيه" لأنه مع وجود الطاهر بيقين اختلف في جواز الاجتهاد فيه كما سيأتي فضلاً عن وجوبه، والأفضل عدم الاجتهاد؛ فمطلوب الترك كيف يوصف بوجوبه، فإن قيل: لابس الخف الأفضل له الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين.
قلت: لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا).
وقال في"نهاية المحتاج" (١/ ٨٩): (فيرد بأن الفرق بين ما هنا وخصال الواجب المجر واضح، وهو أنه خوطب لكل منها لزوماً لكن على وجه البدل، فصدق على كل أنه واجب، وأما هنا فلم يخاطبه بتحصيل الطهور أو الطاهر إلا عند فقده بعد دخول الوقت، وأما قبله أو مع وجود ذلك .. فليس بمخاطب بالتحصيل؛ إذ لا معنى لوجوبه قبل الوقت، ويمكن توجيه كلامه بأنه واجب عند إرادة استعمال أحد المشتبهين؛ إذ استعمال أحدهما قبله غير جائز لبطلان طهارته، فيكون متلبساً بعبادة فاسدة، وحينئذ .. فلا تنافي بين من عبر بالجواز والوجوب؛ لأن الجواز من حيث إن له الإعراض عنهما والوجوب من حيث قصده إرادة استعمال أحدهما، لا يقال: لابس الخف الأفضل في حقه الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين، فلم لم يقل به هنا؟ لأنا نقول: لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>