للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مضروب، وقد قال الشافعي رضي الله عنه فيما حكاه البيهقي: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على حلل يؤدّونها إليه، فدل صلحه إياهم على غير الدنانير أنه يجوز ما صولحوا عليه (١)، وهو مقتضى كلام الأصحاب في صورة تضعيف الصدقة، وسيأتي ذكرها.

وقول "الحاوي" [ص ٦١٦]: (بقدر دينار وأكثر) يحتمل أن يشير به إلى ما ذكره الإمام والغزالي من التخيير بينه وبين اثني عشر درهماً، وإلى ما ذكره شيخنا من جوازه على ما كان قيمته ديناراً من أي شيء كان، والأول أقرب؛ لاعتياده متابعة الغزالي، والثاني مقتضى لفظه.

واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من ذلك مسألتين:

إحداهما: أن في "أصل الروضة" في صورة تضعيف الصدقة عند ذكر الإشكال الثاني: أنه وإن وفى المأخوذ بدينار لكل رأس .. فربما كان فيهم من لا يملك مالاً زكويًّا، فيكون قد قرر بلا جزية، ولا يجوز وإن بذل غيره أكثر من دينار، كما لو قال واحد: خذوا مني عشرة دنانير على أن لا جزية على تسعة معي .. أن الأكثرين أجابوا عنه بأن المأخوذ من أصحاب الأموال الزكوية مأخوذ عنهم وعن الآخرين، ولبعضهم أن يلتزم عن نفسه وعن غيره، وغرضنا تحصيل دينار عن كل رأس، وقال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأن فيه تقرير بعضهم بلا مال، وأُجري الوجهان فيما لو التزم واحد عشرة دنانير عنه وعن تسعة (٢)، قال شيخنا: لكن نص في "الأم" على أن أحداً من رجالهم لا يكون خلياً من الجزية (٣)، وهو شاهد لأبي إسحاق، فالاستثناء على الأول، ونظير ذلك مصالحتهم وهم في بلادهم على أداء الخراج، وضرب ذلك على أراضيهم.

الثانية: إذا افتتح الإمام أرضاً عنوة أو صلحاً على أن الأرض للمسلمين، فساقى أهلَها على الشجر وما يتبعها .. فإنه يجوز أن يقيموا في تلك الأرض سنين بلا جزية، أو بجزية منطوية مع الشطر من التمر والزرع في مقابلة العمل، ولا يشترط في هذه الجزية أن تبلغ ديناراً لكل رأس، قال شيخنا: وذلك يستنبط من قضية خيبر، وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إليه (٤)، وهو متعيّن لا بد منه، ولم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن صاحبيه رضي الله عنهما أنهم أخذوا منهم غير ما صدرت عليه المعاملة، فمن ادعى أخذ الجزية منهم .. فعليه البيان، وحكى شيخنا ما في "أصل الروضة" عن "البحر" عن ابن أبي هريرة: أنه أسقط الجزية عن أهل خيبر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ساقاهم، وجعلهم خولاً، وقول "البحر" هذا شيء تفرد به، والمساقاة معاملة


(١) انظر "معرفة السنن والآثار" (٧/ ١٢١)، (٥٥٢٦)، و"سنن البيهقي الكبرى" (١٨٤٥٩).
(٢) الروضة (١٠/ ٣١٦، ٣١٧).
(٣) الأم (٤/ ٢٠٠).
(٤) انظر "الأم" (٤/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>