وكان والده قد استحصل له إجازة عدد من العلماء الشَّاميين في وقته، منهم:
علاء الدّين العُرْضيّ، وابن الجُوخيِّ، وابن شيخ الدَّولة وآخرون.
ولما عاد من هذه الرحلة برفقة والده إلى القاهرة .. سارع إلى حفظ القرآن الكريم، وحفظ عدداً من المختصرات والمتون في فنون شَتَّى، ثُمَ بادر فطلب بنفسه واجتهد في استيفاء شيوخ الديار المصريَّة، وأخذ عمَّن دبَّ ودَرَج، وكان من أبرز شيوخه: أبو البقاء السُّبكيُّ، والبهاء ابن خليل، والحَرَاويُّ، والبهاء ابن المُفَسِّر، وجُوَيرية، والباحي، وغيرهم.
ولمَّا دخلت سنة ثمان وستِّين وسبع مئة .. رحل إلى مكَّة المُكَرَّمة والمدينة المُنورة مع أبيه، وكان قد رافقهما في هذه الرحلة الإمام الشَّيخ شهاب الدين أحمد بن لُؤلُؤ ابن النَّقيب، فخرجوا من القاهرة إلى المدينة النَّبويَّة، فسمع بها وليّ الدين على البَدْر ابن فَرْحُون، وأقاموا بها مدَّة، ثمَّ واصلوا السَّير إلى مَكَّة المُكَرَّمة، فسَمِعَ بها على أبي الفَضْل النُّويريِّ، ومحمد بن عبد المُعْطي، وأحمد بن سالم بن ياقوت، وأم الحسَن فاطمة بنت أحمد الحَرَازيّ، والعفيف النشاوري، والكمال محمد بن حبيب، والبهاء ابن عقيل النحويِّ، وخلق سواهم.
ثم عاود الرحلة إلى الشام ثانياً، وذلك بعد سنة ثمانين وسبع مئة بصحبة رفيق والده، وصديقه الحميم الحافظ نور الدّين الهَيثميِّ، وعند وصولهما الشَّام كانت تلك الطبقة من العلماء التي سمع عليها أوَّل مرَّة -أعني سنة (٧٦٥ هـ) - قد اختارهم الله تعالى إلى جواره، فأخذ عن الموجودين من علماء دمشق، منهم: الحافظ أبو بكر ابن المُحبّ، وناصر الدين ابن حمزة، وغيرهما.
وفي سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة رحل وليُّ الدّين إلى مكة المكرمة؛ لأداء فريضة الحج؛ ولكنه كان في هذه الرحلة أستاذاً لا طالباً، كما هو شأنه في الرّحلات السَّابقة، فقد كان في قِمَّة نُضُوجه الفكري والعلمي، فأملى في مكة المكرمة والمدينة النبويَّة عِدة مجالس، حضرها جمع كبير من العلماء والطَّلبة.
وفي الحقيقة: إن الإمام وليَّ الدين من العلماء الذين عُرفوا بكثرة السَّماع والشُّيوخ، والاختلاف إلى دور العلم وحلقات الدُّروس، وما أصدق ما وصفه به السَّخَاويّ حين قال: (وأخذ عمَّن دَبَّ ودَرَج) من حيث كثرة المسموعات والشيوخ، إلا أنه في الوقت نفسه لازم عدداً من العلماء المُتَميّزين في فنون شتى مُدة طويلة، حَتَّى عُرِفَ بملازمته لهم، وتخرُّجه بهم، منهم:
- والده الحافظ زين الدين، عبد الرحيم العراقي (ت ٨٠٦ هـ).
- الفقيه شهاب الدين، أحمد بن لُؤلُؤ ابن النَّقيب (ت ٧٦٩ هـ).
- جمال الدين، عبد الرحيم بن الحسن الإسنَويُّ (ت ٧٧٢ هـ).
- جمال الدين، محمد بن أحمد بن عبد المُعطي المكي (ت ٧٧٦ هـ).