للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عكسه، فمن قال بجواز الصوم هناك أو وجوبه .. يقول هنا بالمنع بطريق أولى، ومن منع هناك .. لم يقل هنا شيئاً، والذي اقتضاه نظرنا: المنع، وهو عندنا من محالّ القطع مُتَرقّ عن الظن يُنقض في مثله قضاء القاضي. انتهى.

وقد وقع هذا في بعض السنين أنه قامت البينة برؤيته عند قاض وحكم بها، مع قول أهل الميقات: إنه غير ممكن، وانضم إلى ذلك أن القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء، فقلت: إن هذا الحكم يُنقض؛ لمخالفته النص، وهو: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة) (١)، فهذا فيه مع عدم الإمكان مخالفة للنص، فهو أخص مما قاله السبكي، والله أعلم.

١٢٥١ - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وثبوت رؤيته بعدلٍ، وفي قولٍ: عدلان) (٢) فيه أمور:

أحدها: قال في "المهمات": هذا خلاف مذهب الشافعي؛ فإن المجتهد إذا كان له قولان، وعلم المتأخر منهما .. كان مذهبه هو المتأخر، وفي "الأم" في (الصيام الصغير): (قال الشافعي بَعْدُ: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان) انتهى (٣).

وكنت جوزت في تأويل هذا الكلام أن مراد الربيع: أن النص على أنه لا يثبت إلا بشاهدين .. متأخر عن النص على ثبوته بواحد في الترتيب لا في التاريخ، فيكون قوله: (بَعْدُ) أي: بعد هذا بأوراق، حتى رأيت شيخنا الإمام البلقيني نقل مع هذا النص نصاً آخر في (الشهادات) في ترجمة رؤية الهلال، صيغته: رجع الشافعي - رضي الله عنه - بعد فقال: لا يُصام إلا بشاهدين. انتهى (٤).

وهذا النص لا يحتمل هذا التأويل الذي ذكرته.

ثانيها: أن محل ثبوته برؤية عدل واحد: إنما هو بالنسبة للصوم فقط، فلا يقع الطلاق والعتق المعلقان به، ولا تحل الآجال المقدرة به، كذا أطلق الرافعي نقلاً عن البغوي (٥)، ومحله: إذا سبق التعليق الشهادة، فلو حكم القاضي بدخول رمضان بشهادة واحد، ثم قال قائل: إن ثبت رمضان فعبدي حر أو زوجتي طالق .. وقعا، كما نقله القاضي حسين عن ابن سريج، وذكر الرافعي


(١) أخرجه أبو داوود (٤١٩)، والترمذي (١٦٥)، والنسائي (٥٢٨)، وأحمد (١٨٤٠١) من حديث سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) انظر "التنبيه" (ص ٦٥)، و "الحاوي" (ص ٢٢٥)، و"المنهاج" (ص ١٧٨).
(٣) الأم (٢/ ٩٤).
(٤) انظر "الأم" (٧/ ٤٨).
(٥) انظر "التهذيب" (٣/ ١٥١، ١٥٢)، و"فتح العزيز" (٣/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>