للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أن ظاهره تصوير المسألة مع اعتقاد كونه منه؛ بأن ينوي صوم غد عن رمضان إن كان منه، وصورها في "الروضة" وأصلها: بأن ينوي صومه عن رمضان، ولم يذكرا في التصوير قوله: (إن كان منه) وجزما فيها بالصحة، ثم قال: فإن قال في نيته، والحالة هذه: أصوم عن رمضان، فإن لم يكن عن رمضان فهو تطوع .. فظاهر النص: أنه لا يصح صومه إذا بأن رمضان؛ للتردد فيه، وفيه وجه أنه يصح؛ لاستناده إلى أصل، ورأى الإمام طرد هذا الخلاف فيما إذا جزم (١)، ورجح السبكي: الصحة في هذه الحالة، ولو مع قوله: فإن لم يكن عن رمضان فهو تطوع، وقال في "المهمات": إنه المتجه، وعزاه لـ"المحرر" (٢).

ثانيها: استشكل السبكي وغيره ما ذكروه هنا من صحة الصوم اعتماداً على قول عبدٍ أو امرأةٍ أو صبيانٍ رشداء، مع تفسيرهم يوم الشك باليوم الذي يتحدث برؤيته فيه من لا يعتمد قوله من عبيد وصبيان ونساء وفسقة؛ فإن مقتضاه: تحريمُ صومه، فيحتاج إلى الجمع بين الكلامين، والذي عندي في الجمع بينهما: أن كلامهم هنا فيما إذا تبين كونه من رمضان، وهناك فيما إذا لم يتبين شيء، فليس الاعتماد على هؤلاء في الصوم، بل في النية فقط، فإذ نوى اعتماداً على قولهم، ثم تبين ليلاً كون غد من رمضان .. لا يحتاج إلى تجديد نية أخرى، ألا تراهم لم يذكروا هذا فيما يثبت به الشهر، وإنما ذكروه فيما يعتمد عليه في النية، وقد أشار السبكي إلى هذا الجواب في آخر كلامه احتمالاً، فقال أولاً: ويمكن الجمع بأن المراد هنا: إذا حصل الظن بقولهم، بخلافه هناك، قال: لكن الرافعي في "الشرح" قيد ذلك هناك بظن صدقهم، وقال: إنه المشهور، ولا يمكن أن يقال: يحرم ويصح؛ فإنه ليس له جهتان (٣)، ثم قال السبكي: والذي خطر لي فيه أمران:

أحدهما: الفرق بين الاعتقاد والظن، فالحاصل هناك ظن وهنا اعتقاد، كما عبر به "المصنف" في الموضعين، تبعاً للرافعي، وليس هذا بمَرضي؛ فإن جماعة عبروا هنا بالظن، وأيضا يبعد حصول اعتقاد جازم بقول عبد أو امرأة.

والثاني: أن قول الرافعي: (وظن صدقهم) لا يلزم منه ظن كونه من رمضان؛ فإن استصحاب شعبان يفيد ظن كونه منه، وإخبار المخبر يعارضه، فإن لم يظن صدقه لِريبَةٍ .. استصحبنا شعبان، وإن ظننا صدقه، ولم نزد على ظننا استصحاب شعبان .. فهو الشك، ولا يلزم من ظن الصدق ظن الحكم المترتب عليه، وإن زاد على ظن الاستصحاب .. زال الشك، وجاز صومه، وأجزأ، وهو المذكور هنا، بل يجب على من صدقه.


(١) فتح العزيز (٣/ ١٨٨)، الروضة (٢/ ٣٥٣)، وانظر "نهاية المطلب" (٢/ ١١٨).
(٢) المحرر (ص ١٠٩).
(٣) انظر "فتح العزيز" (٣/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>