للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحج) ولا يحتاج إلى هذا التقييد؛ لأنهما فسرا الإفراد بذلك كما تقدم، فإن كان الإفراد لا يصدق عندهما بدونه .. فلا كلام، وإن صدق بدونه وكان تفسيرًا للإفراد الذي هو أفضل كما تقدم عن بعضهم .. فلا إيراد أيضًا، ثم إنهما قيدا مطلق الإفراد أو الإفراد الذي هو أفضل بأن يعتمر بعد الحج، وكذا ذكره الماوردي والنووي في "شرح المهذب" (١)، واعتبر "الحاوي" الاعتمار في سنة الحج (٢)، وظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون العمرة بعده أو قبله وقبل أشهر الحج، وكذا أطلق في "الروضة" وأصلها (٣)، وصرح به المحب الطبري فقال: لا فرق بين أن يعتمر بعد حجه من أدنى الحل أو قبله من الميقات ثم يحج من الميقات أيضًا؛ في أن كلًا منهما إفراد، قال: بل الثاني أفضل من الأول، وقد تقدم ذلك عن ابن الرفعة والسبكي، بل ذهب القاضي حسين والمتولي إلى تفضيل الإفراد ولو أتى بالعمرة في سنة أخرى، وضعفه النووي في "شرح المهذب" (٤)، ومال القاضي حسين بعد نقله ذلك عن المذهب إلى خلافه؛ لأن للتأخير آفات، لكن اختاره السبكي، ونازع في قول الرافعي والنووي: أن تأخير العمرة عن سَنَة الحج مكروه (٥)، فقال: الإفراد وصف مقصود للحج في نفسه حتى لا يخلطه بعمرة ولا يقدمها عليه في أشهره، فإذا أتى به كذلك .. كان كاملًا، وكذلك العمرة أيضًا كمالها: أن تنفرد عن الحج في غير أشهره، ونحن إذا فَضّلنا الإفراد عليهما نُريد: تفضيل حج وقع مختلطًا بعمرة أو متأخرًا عنها في أشهره، لا تفضيل عبادة على عبادتين، ولا عمل قليل على كثير، فهو حينئذ أفضل مطلقًا سواء اعتمر في سَنَتِهِ أم في غيرها، وكيف يُشترط في تفضيله أن يعتمر بعدها ولم يُنقل ذلك عن فعله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد ممن كان معه في حجة الوداع إلا عائشة، وكانت قارنة؟ وكذلك إذا نظرنا إلى العمرة من حيث هي .. فإفرادها أفضل.

وإن نظرنا إليهما جميعًا، وأن عبادتين أفضل من عبادة، فوقعت كل عبادة على الوجه المقصود منها وهو هنا الإفراد .. فلا شك أنه أفضل، وكأن الأصحاب نظروا إلى ترجيح عبادتين على عبادة، وإلى تعجيل العمرة على تأخيرها، ولم ينظروا إلى صفة الكمال في كل منهما، وكمالهما: إفرادهما كما سبق، وأن يُنشئ لكل منهما سفرًا من بلده، كما فُسِّر به قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، فهو أفضل من إتيانه بالعمرة تبعًا، ولا شك أن من عاد بعد الحج إلى بلده واعتمر منه أفضل ممن اعتمر عقبه من التنعيم ونحوه، وذلك لا يمكن في سَنَتِهِ إذا بعدت بلده كالكوفة مثلًا،


(١) انظر "الحاوي الكبير" (٤/ ٤٧)، و"المجموع" (٧/ ١٢٠).
(٢) الحاوي (ص ٢٤٤).
(٣) الروضة (٣/ ٤٤).
(٤) المجموع (٧/ ١٢٠).
(٥) انظر "فتح العزيز" (٣/ ٣٤٤)، و"المجموع" (٧/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>