الرجاء إفتاؤنا فيما يلي: يدفع إلينا بعض العملاء كمبيالات آجلة التحصيل ويطالبون بدفع أقل من قيمتها حالا - وهذا كما هو معلوم نوع من أنواع الربا فهل يجوز للبنك أن يعطى في هذه الحالة قيمة الكمبيالة لصاحب الكمبيالة كاملة على سبيل المضاربة على أن تكون الكمبيالة مستندا ماليا لدى البنك يعود به البنك على المضارب في حالة تقصيره أو تعديه كضمان (لرأس المال) وإلا تحصل قيمة الكمبيالة في تاريخها المحدد بالعمولة المحددة دون أن تكون هناك علاقة بين المضاربة والكمبيالة؟
الجواب
يتكون السؤال من عناصر هي:
أولا: يقدم العميل الكمبيالة إلى البنك لتبقى بيده
ثانيا: يدفع البنك قيمة الكمبيالة للعميل كاملة على سبيل المضاربة
ثالثا: تبقى الكمبيالة لدى البنك مستندا ماليا كضمان لرأس المال في حالة هلاك المال بتعدي المضارب أو تقصيره
رابعا: تحصل قيمة الكمبيالة في تاريخها المحدد بالعمولة المحددة دون أن تكون هناك علاقة بين المضارب والكمبيالة إنه لأمر مشروع أن يدخل البنك كرب مال مع أي عامل في المال على سبيل المضاربة دون أن تكون هناك علاقة بين المضاربة والكمبيالة وإذا افترضنا صحة ذلك فما هي إذن الصفة القانونية التي يحتفظ البنك على أساسها بالكمبيالة؟ إن الكمبيالة ضمان لرأس المال كما جاء بالسؤال في حالة قيامه بالتعدي أو التفريط فالكمبيالة إذن على صلة وثيقة بالمضاربة لأنها هي التي توفر عادة ثقة البنك للدخول في عمليات الإقراض مع عملائه وإذا لم تحدد الصفة التي يحتفظ البنك على أساسها بالكمبيالة فإن ذلك قد يؤدي إلى بطلان المضاربة فما هو البديل الذي تجوز معه المضاربة إذن؟ إن تظهير الكمبيالة يعتبر عرفا وقانونا قرينة على نقل ملكيتها إلى البنك ما لم يثبت العميل أن التظهير كان لأغراض أخرى غير نقل الملكية ومن بين أغراض التظهير أن يكون البنك وكيلا عن العميل وتحصيل قيمة الكمبيالة عند حلول أجلها وإضافتها لحسابه وقد يكون الغرض من التظهير هو رهن الكمبيالة نفسها لمدة معينة يستردها العميل بعدها بعد أن يرد ما اقترضه من البنك وفي هذه الحالة يمكن تظهيرها تظهيرا تأمينيا على الكمبيالة أو يمكن تظهيرها تظهيرا عاديا على أن يبين هذا الغرض في عقد المضاربة الذي يحدد بنود الاتفاق وشروطه ويكون للمضارب حق استرداد الكمبيالة بعينها عند تصفية المضاربة وبذلك وحده تكون الكمبيالة ضمانا أو رهنا في مقابل التلف المتوقع بالتعدي أو التفريط ويجري عليها أحكام المال المرهون في الشرع والقانون لأن الرهن شرعا هو المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه ولما كان مال المضاربة من الأمانات التي سبق القول بأنها لا تضمن بالرهن إلا أنه يمكن أن يضاف إلى التعريف بعد " إن تعذر استيفاؤه " ممن هو عليه بسبب هلاك المال بتعدي المضارب أو تفريطه ولما كان الرهن للكمبيالة كورقة تجارية أو مستند مالي فلم تعد هناك حاجة إلى التعرض لخلاف الفقهاء في جواز رهن النقود نفسها لأن قيمة الكمبيالة لم تعد موضوع الرهن وأخيرا ومع تقديرنا لرفض إدارة البنك عمليات خصم الكمبيالات بالفائدة التي تمارسها البنوك الربوية ولكي تكون المضاربة التي يدخل فيها البنك مع أصحاب الكمبيالات صحيحة من كل الوجوه وخالية من الشبهة التي قد تؤثر في سلامة التصرف وتعرض معاملات البنك الإسلامي إلى ما يثار حول هذه المعاملات من نقد فإننا نشير إلى بعض هذه الشبه بغرض تحاشيها في التعامل: -
أولا: أن يلجأ البنك إلى استغلال حاجة مقدم الكمبيالة ويعرض عليه الدخول في مضاربة ما كان يرغب في دخولها إلا مكرها تدفعه ضرورة الحصول على قيمة الكمبيالة وهذه مضاربة وإن كانت صحيحة من حيث الشكل إلا أن فيها قدرا من الإكراه وعدم الرضا قد لا يجعل عائدها من طيبات الكسب لأنه عقد لم يكن للمضارب خيار في شروطه أو الدخول فيه
ثانيا: أن تكون المضاربة صورية بحتة لا وجود لها في الواقع ويتخذ منها ذريعة أو حيلة للحصول على فائدة ربوية ولما كان الربا محرما تحريما قاطعا فإن كل ما يؤدى إليه من وسائل وإن كانت مباحة في الأصل كالمضاربة فإنها تكون محرمة وباطلة وتتأتى هذه الصورة بأن يحرر عقد المضاربة ثم تقدر قيمة شراء للسلعة المعينة موضوع المضاربة ثم يقدر للسلعة نفسها القيمة التي ستباع بها ثم يحتسب الربح من الفرق بين التقديرين ويدفع المضارب حصته من الربح بعد خصمه من قيمة الكمبيالة أو سداده لحساب البنك تحت اسم المضاربة في نفس اليوم الذي يحرر فيه العقد أو بعده - وهذا العقد في معناه ومقصده قرض ربوي وإن جاء في صورة المضاربة لأن المقاصد المشروعة من العقود العبرة فيها للمعانى لا للألفاظ أو الصيغ القانونية
ثالثا: لقد توسعنا في الإجابة على الاستفسار بدافع الحرص على سلامة المعاملات من الربا أو شوائبه والنأي بها عن كل شبهة يمكن أن تتخذ ذريعة لسهام النقد الموجهة من أعداء الاتجاه الإسلامي بوجه عام والبنوك الإسلامية على وجه الخصوص ولا زلنا نرى أن يفتح البنك مجال القرض الحسن لأصحاب الكمبيالات الذين يحتفظون بودائع ثابتة أو حسابات جارية في البنك تقارب القدر المطلوب للقرض وفي ذلك دعم للمبادئ الإسلامية التي قام البنك أساسا لتأصيلها والدعوة إليها وأخيرا نقول إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين