نظرا لاقتراب موسم الزكاة لعيد الفطر رأت وزارة الشؤون الاجتماعية أن تبادر بإنشاء صندوق في مستودع أمين تودع فيه أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون في هذه المناسبة بدون فوائد وطلبت الإفادة عما إذا كان في إيداع هذه الأموال في مصرف كبنك مصر ما يؤدي الغرض المقصود من أداء هذه الفريضة وما هي الوجوه التي تنفق فيها هذه الأموال لتكون متفقة مع مقتضيات هذه الفريضة حتى تسترشد بها اللجنة المشرفة على هذا الصندوق وعلى وجوه صرف أمواله؟
الجواب
اطلعنا على الكتاب ونفيد أنه لا يجب عند الحنفية أن تعطى صدقة الفطر من الحبوب أو من سائر أنواع الطعام بل يجوز أن تعطى من النقود بل ذلك أفضل لما قالوه من أن دفعها نقودا أعون على دفع حاجة الفقير لاحتمال أنه يحتاج غير الحنطة مثلا من ثياب ونحوها هذا ولا مانع من أن يأخذ الناس في هذا الموضوع بمذهب أبي حنفية لما فيه من التيسير على الفقراء وأرباب الحاجات ولا يجب عند الأئمة الأربعة أن يدفع من وجبت عليه صدقة الفطر بنفسه إلى مستحقها بل يجوز أن يعطيها لولي الأمر أو لنائبه ليصرفها في مصارفها فقد جاء في رد المحتار نقلا عن الرحمتي عند قول المصنف (ولا يبعث الإمام على صدقة الفطر ساعيا) ما نصه في الحديث الصحيح
أنه جعل أبا هريرة على صدقة الفطر فكان يقبل من جاء بصدقته
قال ابن عابدين (قلت فالمراد أنه لا يبعث عاملا كعامل الزكاة يذهب إلى القبائل بنفسه فلا ينافي ما في الحديث تأمل) انتهت عبارة رد المحتار فالمأخوذ من هذا أنه يجوز عند الحنفية أن تدفع هذه الزكاة إلى نائب ولي الأمر وهو الآن وزارة الشؤون الاجتماعية التي نيط بها بمقتضى المرسوم الصادر في ٥ رجب ١٣٥٨ هجرية - ٢ أغسطس ١٩٣٩ م تنظيم أعمال البر والإحسان لصرفها في مصرفها الشرعي والحديث المشار إليه في العبارة المذكورة رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن وفي كتاب الوكالة وفي صفة إبليس من صحيحه وقد ذكره ابن كثير عند تفسيره لآية الكرسي هذا مذهب الحنفية وقد نص في مذهب الإمام مالك على أنه يندب دفعها للإمام العدل (أي ولي الأمر العدل) بل ذكروا أن ظاهر المدونة وجوب دفعها للإمام العدل وقد روى عن الإمام أحمد أنه قال أما صدقة الفطر فينبغي أن يدفعها إلى السلطان والمأخوذ من شرح المهذب للإمام النووي في مذهب الإمام الشافعي أنه يجوز دفع زكاة الأموال الباطنة - ومنها صدقة الفطر - إلى الإمام وأن الأفضل هو دفعها إليه إذا كان عدلا وهو المذهب عندهم والأصح وقد علل هذا بأنه بدفعها للإمام يتيقن سقوط الفرض به بخلاف تفريق المزكى لها بنفسه لأنه قد يصادف غير المستحق ولأن الإمام أعرف بالمستحقين وبالمصالح وبقدر الحاجات وبمن أخذ قبل هذه المرة من غيره والخلاصة أنه لا خلاف بين الأئمة الأربعة في جواز دفع صدقة الفطر إلى الإمام أو عماله ليتولوا صرفها في جهاتها الشرعية بل ذلك أفضل كما نص عليه في مذهب الإمام الشافعي وكما يؤخذ مما روى عن الإمام أحمد وهو مندوب إليه في مذهب الإمام مالك وهو مقتضى ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من جعل أبي هريرة على صدقة الفطر ومن عرف المصلحة التي يراد تحصيلها والتي من أجلها يراد جمع هذه الصدقة وتفريقها على ذويها بنظام يكفل تقديم الأحوج على غيره في الصرف إليه لا يرتاب في أن الدفع إلى نائب الإمام أفضل وأولى في الشريعة الإسلامية التي كلها مصلحة وعدل أما مصارف هذه الزكاة فهم الفقراء على اختلاف أنواعهم وابن السبيل وهو المسافر الذي لا مال معه أو له مال في وطنه ولا يتيسر له الحصول عليه في الحال ويلحق به من كان له مال على غائب أو معسر أو جاحد له ولا يلزم إعطاء الكل ويقدم الأحوج على غيره بحسب ما يتبين للجنة التي تشكل لذلك من التحري مما يوثق به هذا ولا مانع شرعا من جمع هذه الصدقة في مصرف بغير فوائد متى لم يظن التصرف فيها تصرفا لا يجوز شرعا وبما ذكر علم الجواب عما طلب منا والإجابة عنه والله سبحانه وتعالى أعلم