عن بيان حكم الزكاة في المال وفي عروض التجارة وهل يخرج الزكاة عن المال الذي زكاه في السنين الماضية أو يخرجها عما زاد عن قيمته في السنين الماضية فقط وما الحكم إذا كان على صاحب المال الواجب فيه الزكاة ديون أو كان له ديون عند آخرين كان صاحب المال يدين آخر بمبلغ - هل يجوز تركه له من أصل الزكاة الواجبة على الدائن في ماله إذا كان المدين معسرا مع إخباره بذلك وهل يصح احتساب ضرائب الأرباح التي فرضتها الحكومة من الزكاة الواجبة وإذا كان ذلك غير جائز فهل يصح احتساب ضريبة الدفاع من الزكاة لأن مصرفها ديني وهو الدفاع عن الوطن؟
الجواب
إن الزكاة فرض عند الحنفية على كل مسلم عاقل بالغ حر يملك نصابا حال عليه الحول وكان فارغا عن الدين وحوائجه الأصلية وحوائج عياله ناميا أو تقديرا فمن ملك نصابا من أحد الأنواع التي تجب فيها الزكاة شرعا ومضى عليه في ملكه سنة قمرية أيامها ٣٥٤ يوما وكان فاضلا عن حاجته الأصلية وعن دين له مطالب من جهة العباد ناميا حقيقة بالتوالد والتناسل وبالتجارة أو تقديرا بأن يتمكن من الاستنماء بأن يكون المال في يده أو يد نائبه لأن الأثمان لا يشترط فيها النماء حقيقة وإنما يشترط فقط القدرة عليه لأنها بخلقتها نامية بالتجارة فإن لم يتمكن من الاستنماء فلا زكاة عليه لفقد شرطها وذلك مثل مال الضمار كالمغصوب والمفقود بلا بينة عليه والمدفون في برية لا يعرف مكانه والساقط في البحر فمن ملك نصابا توفرت فيه الشروط السابقة وجبت فيه الزكاة ويختلف الواجب باختلاف نوع المال المملوك فمن كان عنده نصاب من الأثمان أي الذهب أو الفضة أو أوراق البنكنوت بأن كانت قيمة الذهب أحد عشر جنيها وثمانمائة وخمسة وسبعين مليما وقيمة الفضة أو البنكنوت خمسمائة وثلاثون قرشا تقريبا وجب فيه ربع العشر والمعتبر كمال النصاب أول الحول وآخره فإذا كمل فيهما ونقص أثناء الحول وجبت الزكاة في المال الموجود في آخر الحول وقد اشترط حولان الحول في المال المزكى إذا كان من الأثمان أو عروض التجارة لأن مضى الحول مظنة النماء فيكون إخراج الزكاة من الربح وذلك أسهل وأيسر وقد سبق أن حقيقة النماء لم تشترط إلا فيما عدا الأثمان أما الأثمان فيكفي فيها اشتراط النماء ولو تقديرا وذلك بمضي الحول عليها عند مالكها لأن مضيه دليل نمائها عادة فاعتبار حولان الحول ضروري حتى لا يتعاقب وجوب الزكاة في الزمن الواحد مرات فينفد مال المالك ففي نهاية كل حول يحصر المزكى ماله فإن بلغ نصاب الزكاة من أي نوع أخرجها ويضم المستفاد أثناء الحول إلى أصله إذا كان من جنسه ويزكى الجميع ولو كان قد سبق للمالك أنه زكاه قبل ذلك لأن النصاب كما ذكر صاحب البدائع بعد مضي الحول عليه يجعل متجددا حكما الحول فيصير النصاب كالمتجدد وهذا بالنسبة لزكاة الأموال التي هي أثمان وأما بالنسبة لعروض التجارة وهى ماعدا الأثمان من الأموال غير السائمة على اختلاف أنواعها من النبات والعقار والثياب وسائر المال الموجود للتجارة فإن الزكاة تجب فيها متى بلغت قيمتها نصابا من الذهب أو الفضة وحال عليها الحول على الوجه السابق ونوى مالكها بها التجارة واقترنت نيته بفعل التجارة وكانت العين صالحة لنية التجارة ففي نهاية كل عام تقوم العروض التي توفرت فيها الشروط السابقة بأحد النقدين الذهب أو الفضة أو البنكنوت فإذا بلغت بأيها نصاب الزكاة وجب إخراج ربع عشرها وإن بقيت عند مالكها أعواما بدون زكاة ثم باعها بعد ذلك فعليه زكاتها لجميع الأعوام لا لعام واحد فقط وإذا كان مالك النصاب له دين عند غيره فإنه يجب عليه ضم ما يقبضه منه إلى ما في يده من المال وإخراج زكاة الجميع مرة واحدة لأن المقبوض من الدين في هذه الحالة بمثابة المستفاد أثناء السنة وفي مثله يجب ضمه للأصل وإخراج زكاة الجميع وقدرها ربع العشر كما سبق إذا كان المال من الأثمان أو عروض التجارة وتوفرت فيه شروطه السابقة وإذا كان على صاحب المال الواجب فيه الزكاة ديون خصصت قيمتها من المال الذي في يده لأن المشغول بالدين من الحوائج الأصلية فلا تجب فيه الزكاة وما بقى بعد ذلك تجب فيه الزكاة على الوجه السابق إن بلغ نصاب الزكاة من أي نوع بعد توفر شروط إخراجها السابقة وإذا كان لمن وجبت عليه الزكاة ديون على فقير لم يجز للمزكى صاحب الدين أن يبرئ مدينه من دينه وحسبانه من الزكاة الواجبة عليه في ماله الآخر المملوك له والواجب فيه الزكاة غير هذا الدين قال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار لا يجوز أداء الدين عن العين كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر ثم قال وحيلة الجواز فيما إذا كان له دين على معسر وأراد أن يجعله زكاة عن عين عنده أو عن دين له على آخر سيقبض أن يعطى مديونه الفقير زكاته ثم يأخذها منه ثانية عن دينه - ونقل عن الأشباه قولها وهو أفضل من غيره لأنه يصير وسيلة إلى إبراء ذمة المديون هذا ولا يصح احتساب أي نوع من أنواع الضرائب التي تفرضها الحكومة على المواطنين في أموالهم وكسبهم وإيرادهم من الزكاة الواجبة في مالهم لأن ما تفرضه الحكومة بالمصارف الشرعية التي بينت الشريعة أنواعها وأوجبت أداء الزكاة إليها جميعها أو إلى بعضها وفضلا عن ذلك فإن هذه الضرائب لا تطبق عليها ماهية الزكاة شرعا " لأنها تختلف في مقاديرها وشروطها عن مقادير الزكاة وشروطها التي بينتها الشريعة وبدونها لا يتحقق معنى الزكاة "