الحيض باتفاق خمسة عشر يوما، فإذا نقصتها من الشهر بقي منه أقل الطهر وذلك خمسة عشر يوما. وأما سائر الأقاويل فلا حظ لها في القياس وإنما أخذت من عادة النساء؛ لأن كل ما وجب تحديده في الشرع ولم يرد به نص لزم الرجوع فيه إلى العادة، كنفقة الزوجات وشبه ذلك. وقد حكى أحمد بن المعدل عن ابن الماجشون أنه وجد من النساء مت يكون طهرها خمسة أيام وعرف ذلك بالتجربة من جماعة النساء.
وأما أكثر الحيض فخمسة عشر يوما. والأصل في ذلك ما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه خطب النساء فقال: إنكن ناقصات عقل ودين فقالت امرأة منهن ما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله فقال إن إحداكن تمكث نصف عمرها أو شطر عمرها لا تصلي فذلك نقصان دينكن». فساوى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين ما تصلي فيه وبين ما لا تصلي فيه فجعلا شطرين، وذلك يقتضي أن لا يكون الحيض أكثر من خمسة عشر يوما كل شهر؛ لأن الحديث خرج مخرج الذم لهن، فدل على أنه إنما قصد إلى ذكر أقصى ما يتركن الصلاة فيه بسبب الحيض.
هذا قول مالك وأصل مذهبه. وقد قال إن المرأة إذا تمادى بها الدم استظهرت بثلاثة أيام على أكثر أيامها ثم اغتسلت وصلت وصامت، ولم يبين إن كان يطؤها زوجها فيما بينها وبين الخمسة عشر يوما ويكون حكمها حكم المستحاضة أم لا. واختلفت تأويلات أصحابنا عليه في ذلك. فمنهم من قال إن اغتسالها بعد الاستظهار استحسان واحتياط للصلاة، ولا يطؤها زوجها حتى تتم خمسة عشر يوما فتطهر طهرا آخر واجبا، وهو دليل رواية ابن وهب عن مالك قوله فرأيت أن أحتاط لها فتصلي وليس ذلك عليها أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها. فإذا بنى قوله على الاحتياط فمن الاحتياط ترك وطئها قبل الخمسة عشر يوما وإيجاب الغسل عليها إذا أكملت الخمسة عشر يوما وقضاء الصيام. ومنهم من ذهب إلى أنها إذا اغتسلت وصلت وصامت أجزأها صومها ووطئها زوجها وكان حكمها حكم المستحاضة، فلا يجب عليها غسل عند تمام الخمسة عشر يوما إلا