ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل، فقتل من قتل وسبى النساء والذرية. وقيل إنهم جمعوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأرادوه، فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على ماء يقال له المريسيع فاقتتلوا فهزمهم الله. والقول الأول أصح أنه أغار عليهم وهم غارون. ومن ذلك السبي كانت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها فأدى عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتزوجها. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ما رأيت أعظم بركة منها على قومها، ما هو إلا أن علم المسلمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسلم سائر بني المصطلق.
وفي هذه الغزوة أنزلت آية التيمم، وفيها قال أهل الإفك في عائشة ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا في كتابه. وفيها قال عبد الله بن أبي بن سلول:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}[المنافقون: ٨]. وقد ذكرنا الحديث في ذلك بكماله، وحديث الوليد بن عقبة حين وجهه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم بعد إسلامهم بعامين مصدقا وما كان من شأنه معهم، وأن الله أنزل في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}[الحجرات: ٦] وكل ذلك في الجزء الرابع من شرح الجامع من العتبية لمن أحب الوقوف على ذلك. وقد قيل في هذه الغزوة إنها كانت قبل الخندق وقريظة، والصواب أنها كانت بعدهما.
وفيها كانت عمرة الحديبية. والحديث فيما جرى فيها طويل، وقد ذكرته بكماله في الجزء الرابع من شرح جامع العتبية، وبينا في أول سماع ابن القاسم من شرح كتاب التجارة إلى أرض الحرب منها معنى ما وقع في المقاضاة بينه وبين كفار قريش من الشرط في أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم لمن أحب الوقوف على ذلك.