والبعض فيها المندوب إليه بالشرع لا بالطبع، لأن الله تعالى قد زينها وحذر منها ابتلاء واختبارا. وقد قال بعض الناس: إن الزاهد إنما هو من أبغض الدنيا طبعا بغريزته كما يبغض الأنتان وشبهها، وإن من لم يحل هذا المحل وإن أبغض الدنيا بأجمعها فليس بزاهد وإنما هو صابر. وهو غلط ظاهر، لأن ما طبع عليه الإنسان لا يؤجر عليه إذ لا كسب له فيه، وإنما يؤجر الزاهد على الصبر على الزهد فيما طبع على محبته. قال الله عز وجل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}[آل عمران: ١٤] الآية. وقال:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: ٩٢] وَقَالَ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}[البقرة: ١٧٧] وَقَالَ {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}[الإنسان: ٨] الآية.
ومنهم من قال: الزهد في الدنيا هو التهاون بالدنيا لهوانها على الله. واحتج بما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بسخلة ملقاة على سباطة قوم ومعه أصحابه فقال: أترون أهل هذه ألقوها من كراهتها عليهم أو من هوانها. قالوا: بل من هوانها عليهم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» وندبهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أن يهون عليهم ما هان على الله.
وقال الحسن: ويحك يا ابن آدم لا تخالف الله في هواه فإن الله لا يحب الدنيا.
وقال ابن المنكدر: لو لقيت الله وليس لي ذنب إلا حب الدنيا لخشيت أن يقال: هذا أحب ما أبغض الله. فوصف قائل هذا القول الزهد بحقيقة ما يكون عنه ولم يخرج عن معناه. ألا ترى أنك تقول: زهدت في الدنيا فهانت علي، ولا تقول هانت علي فزهدت فيها. وكذلك سائر ما تقدم من الأقوال لم يخرج قائلوها بما قالوه في