والذي أقول به في هذا تفضيل الغنى على الفقر، وتفضيل الفقر على الكفاف. وإنما قلت: إن الغنى أفضل من الفقر؛ لقول الله عز وجل:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٣٢] فلو كان الفقر أفضل من الغنى لكان تعالى قد أمرنا أن نسأله تبديل الأفضل بالأدنى، وذلك خلاف المعلوم من المعنى. وقوله عز وجل:{وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى}[الضحى: ٨] فلو كان الفقر أفضل من الغنى لكان تعالى قد امتن عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن نقله من الأفضل إلى الأدنى. وقَوْله تَعَالَى:{وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[التوبة: ٩٢] فلو كان ما كانوا فيه أفضل وأولى لم يكن لحزنهم معنى.
وقَوْله تَعَالَى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا}[البقرة: ٢٦٨] وشتان في الفضل ما بين ما يعد الله به من الغنى، ويعد به الشيطان من الفقر! وقوله عز وجل:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[التوبة: ٢٨] وقوله عز وجل: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}[التوبة: ٧٤] وقوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: ٣٢] وما أشبه ذلك من الآيات كثير. ولقول «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين قيل له: ذهب الأغنياء بالأجور: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما نفعني مالي ما نفعني مال أبي بكر»، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من جهز جيش العسرة ضمنت له على الله الجنة»، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»