أحدها: كذب لا يتعلق فيه حق لمخلوق وهو الكذب في ما لا مضرة فيه على أحد، ولا يقصد به وجه من وجوه الخير، وهو قول الرجل في حديثه كان كذا وكذا وجرى كذا وكذا لما لم يكن ولا جرى، فهذا الكذب محرم في الشريعة بإجماع من العلماء، وهو الذي جاء فيه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن المؤمن لا يكون كذابا» أي لا يكون مؤمنا ممدوح الإيمان، وهو الذي يغلب عليه الكذب حتى يعرف به، وقد يكون مؤمنا ممدوح الإيمان وإن كان جبانا وبخيلا، أي بخيلا بغير الواجبات، لأن البخل بالواجبات فسوق، والتوبة بالإقلاع عنه والاستغفار منه.
والثاني: كذب يتعلق به حق لمخلوق، وهو أن يكذب الرجل على الرجل فينسب إليه أنه فعل ما لم يفعل أو قال ما لم يقل مما يؤذيه أو يغض منه، وهو أشد من الأول، لأن التوبة منه لا تصح إلا بأن يتحلل صاحبه فيحله منه طيبة بذلك نفسه، أو يأخذ حقه منه إن تعين له بذلك عليه حق.
والثالث: كذب يقصد به وجه من وجوه الخير للمسلمين لكذب في الحرب للتخذيل بين المشركين وما أشبه ذلك. فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحرب خدعة». وذلك نحو ما جاء من «أن نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزاة الخندق مسلما فقال يا رسول الله: إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما أنت رجل واحد من غطفان، فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك معنا، فاخرج فإن الحرب خدعة؛ فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان يناديهم في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: قل فلست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرحل ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا. ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم معشر