قريش وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علي. قالوا: نفعل. قال: أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم إليكم تضربوا أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم. ثم أتى غطفان وقال مثل ذلك. فلما كانت ليلة السبت، وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين، أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر، فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا، فأرسلوا إليه أن اليوم السبت وقد علمتم ما نال من تعدى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فلما رجع الرسول بذلك قالوا: صدقنا والله نعيم بن مسعود، وخذل الله بينهم واختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد قلبت أبنيتهم وكفأت قدورهم فارتحلوا» فهذا الكذب مستحب.
والرابع كذب الرجل فيما يرجو فيه منفعة نفسه ولا ضرر فيه على غيره، ككذب الرجل لامرأته فيما يعدها به ليستصلحها، فهذا الكذب جوزته السنة على ما جاء من «أن رجلا قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أكذب امرأتي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا خير في الكذب. فقال الرجل: يا رسول الله أعدها وأقول لها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا جناح عليك» وقد قيل: إنه لا يباح فيه إلا بتعريض الكلام لا بنص الكذب، والأول أصح أن التصريح بالكذب في ذلك جائز، يدل عليه قول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣] وقوله في قصة يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف: ٧٠] إلى قوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦]. وقد قيل: إن معاريض القول جائزة في كل