للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس من يشتري لهو الحديث فقال: الغناء والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وهو قول مجاهد وعطاء. وقال مكحول: من كانت له جارية مغنية فمات لم يصل عليه؛ لقول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] إلى قوله: {عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة: ٩٠] معناه لم يصل عليه رغبة في الصلاة عليه. وقد اختلف في معنى قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] فقالت طائفة: هو الشراء على الحقيقة بالأثمان، بدليل ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن». فالمعنى على هذا في قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] أي من يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فحذف ذا أو ذات وأقام اللهو مقامه، مثل قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أي واسأل أهل القرية. وقالت طائفة: معنى الآية ومن الناس من يختار لهو الحديث ويستحسنه ولعله ألا ينفق فيه مالا ولكن اشتراؤه استحسانه.

وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت الآية في النضر بن الحارث الداري كان يشتري من كتب أحاديث الأعاجم فارس والروم وصنيعهم، ويحدث قريشا فيستحلونها ويعجبهم ما يسمعون فيها فيلهون ويلهيهم بها. وقال جماعة من أهل التفسير: إن الآية نزلت في أهل الكفر بدليل قوله فيها: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: ٧] قالوا: فمعنى لهو الحديث الشرك، وهو كقوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦] فمن ذهب إلى هذا رأى الغناء مكروها منهيا عنه غير محرم بالقرآن.

واختار أبو جعفر الطبري أن تحمل الآية على عمومها في كل ما كان ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله، لأن الله عز وجل عم بقوله: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] ولم يخص بعضها دون بعض، فوجب أن يحمل على عمومه في الغناء والشرك حتى يأتي ما يدل على خصوصه.

وهذا الذي ذهب إليه أبو جعفر الطبري أولى ما قيل في تأويل الآية، لأنها وإن كانت نزلت فيما كان يفعله النضر بن الحارث فهي عامة تحتمل على عمومها، ولا يقتصر على ما كان سبب نزولها مما كان يفعله النضر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>