الحارث. وقد دل على حملها على عمومها ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن». وقد نزل على تصديق ذلك في كتاب الله تعالى يريد ما فهمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عموم قوله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان: ٦].
وقوله في الحديث: لا يحل اشتراء المغنيات ولا بيعهن، معناه إذا اشتراهن المشتري لغنائهن أو باعهن البائع بزيادة على قيمتهن من أجل غنائهن. وأما إذا اشتراهن للخدمة وما أشبهها ولم يزد في أثمانهن من أجل غنائهن فذلك جائز للبائع والمبتاع. فإن اشتراهن للخدمة بأكثر من أثمانهن من أجل غنائهن فذلك حرام على البائع، مكروه للمبتاع؛ لأنه أضاع ماله وأعطاه في الباطل فأطعم البائع ما لا يحل له، فهو بذلك معين له على الإثم. وقد قال الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢] وإن اشتراهن لغنائهن بقيمتهن دون غناء فذلك حرام على المبتاع جائز للبائع.
وظاهر قوله في الحديث أن الثمن كله محرم على البائع، وهو نص قول أصبغ. والذي يحرم عليه منه إنما هو ما زاد على قيمتها من أجل غنائها، كمن باع خمرا وثوبا صفقة واحدة بدنانير، فلا يحرم عليه من الدنانير التي باعها بهما إلا ما ينوب الخمر منها. فالمعنى في ذلك أن الحرام من ثمن المغنية لما كان مشاعا في جملتها لم يحل له أن يأكل منه قليلا ولا كثيرا حتى يخرج الحرام منه فيخلص له الحلال؛ لأنه إذا أكل منه شيئا فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من الحرام وإن كان باقي الثمن عنده وفيه وفاء بجميع الحرام في التمثيل، كرجل سرق دينارا من مال بينه وبين شريكه فأكله فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من حق شريكه حتى يتحلله منه أو يرده إليه.
وقد اختلف فيمن اشترى أمة فألفاها مغنية والغناء يزيد في قيمتها، هل ذلك عيب فيها يجب له به ردها أم لا على قولين. والذي أقول به اتصال إن كانت جارية رفيعة للاتخاذ كان ذلك عيبا فيها يجب له به ردها لما يخاف المبتاع من أن يلحق