للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اُسْتُشْهِدَ فِي ثِيَابٍ حَرِيرٍ لَبِسَهَا لِضَرُورَةٍ كَدَفْعِ قَمْلٍ جَازَ تَكْفِينُهُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ تَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي اُسْتُشْهِدَ فِيهَا لَا سِيَّمَا إذَا تَلَطَّخَتْ بِدَمِهِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَاضِيًا عَلَى مَنْعِ التَّكْفِينِ فِي الْحَرِيرِ، وَلِهَذَا لَوْ لَبِسَ الرَّجُلُ حَرِيرًا لِحَكَّةٍ أَوْ قَمْلٍ مَثَلًا وَاسْتَمَرَّ السَّبَبُ الْمُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ إلَى مَوْتِهِ حُرِّمَ تَكْفِينُهُ فِيهِ عَمَلًا بِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِانْقِضَاءِ السَّبَبِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَلَمْ يَخْلُفْهُ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا، وَالْأَوْجَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالطِّينِ هُنَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا وَإِنْ اكْتَفِي بِهِ فِي الْحَيَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَلِهَذَا بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ جَوَازِ تَكْفِينِهِ بِمُتَنَجِّسٍ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مَعَ وُجُودِ طَاهِرٍ وَإِنْ جَازَ لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي.

هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الطَّاهِرُ حَرِيرًا، فَإِنْ كَانَ قَدَّمَ عَلَيْهِ الْمُتَنَجِّسَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ لَهُ مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْفِينِهِ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ فَالْمَذْهَبُ تَكْفِينُهُ فِي الْحَرِيرِ لَا الْمُتَنَجِّسِ، وَتَعْلِيلُهُمْ اشْتِرَاطَ تَقْدِيمِ غُسْلِهِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَصَلَاتِهِ نَفْسِهِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ فِي الْمُتَنَجِّسِ مَعَ وُجُودِ الْحَرِيرِ وَبَيْنَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالْمُتَنَجِّسِ دُونَ الْحَرِيرِ وَاضِحٌ، أَفَادَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَقِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَيِّتِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَلِّي مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْجِلْدِ ثُمَّ الْحَشِيشِ عِنْدَ فَقْدِ الثَّوْبِ عَلَى التَّطْيِينِ ثُمَّ هُوَ، وَلَا يَجُوزُ فِي الذَّكَرِ وَلَا فِي الْأُنْثَى تَكْفِينُهُ بِمَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَقِيَاسُ إبَاحَةِ تَطْيِيبِ الْمُحَدَّةِ بَعْدَ مَوْتِهَا جَوَازُ تَكْفِينِهَا فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا لُبْسُهُ حَالَ حَيَاتِهَا،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لِضَرُورَةٍ) فَلَوْ تَعَدَّى بِلُبْسِهِ ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ فِيهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا اللُّبْسِ لِلتَّعَدِّي فَيُنْزَعُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: جَازَ تَكْفِينُهُ) قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَوْلَى، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا جَوَازُ التَّعَدُّدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ فِي الْأَصْلِ لِحَاجَةٍ فَاسْتُدِيمَتْ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ قَاضِيًا) أَيْ رَادًّا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُسْتَثْنًى، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُمْكِنُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ قَوْلِهِ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا جَازَ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ وَلِغَيْرِهِ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ لِنَحْوِ حَكَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَكْفِينُهُ فِيهِ لِانْقِطَاعِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ عِلَّةِ الْجَوَازِ أَنَّ السُّنَّةَ تَكْفِينُهُ، فِي ثِيَابِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْلُفْهُ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ) وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ مَاتَ الشَّهِيدُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي لَبِسَهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَطَعَ السَّبَبُ الَّذِي لَبِسَ لِأَجْلِهِ فَقَدْ خَلَفَهُ أَنَّ الْأَوْلَى تَكْفِينُ الشَّهِيدِ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ طَاهِرٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الطِّينَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُلَطَّخَ بِالطِّينِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ عُرْيَانًا، وَيُحْتَرَزُ عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَتِهِ وَيُكَفَّنُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُتَنَجِّسِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: فَالْمَذْهَبُ تَكْفِينُهُ فِي الْحَرِيرِ) وَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَمْ تَجِبُ الثَّلَاثَةُ؟ نَقَلَ سم عَنْ م ر الْأَوَّلَ وَقَالَ: إنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَجُوزُ فِي الْحَيِّ لِأَدْنَى حَاجَةٍ كَالْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَدَفْعِ الْقَمْلِ وَلِلتَّجَمُّلِ وَمَا هُنَا أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا الْمُتَنَجِّسِ) أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا فَيُكَفَّنُ فِي الْمُتَنَجِّسِ: أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَارِيًّا إذْ لَا تَصِحُّ مَعَ النَّجَاسَةِ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.

وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غُسْلِهِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ أَنْ يُقَدِّمَ غُسْلَهُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ آكَدُ مِنْ الْكَفَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ يُنْبَشُ، وَلَوْ دُفِنَ بِلَا كَفَنٍ لَمْ يُنْبَشْ اكْتِفَاءً بِالتُّرَابِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: تُقَدَّمُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهَا لَا بَدَلَ لَهَا، بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّ لَهُ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: وَاضِحٌ) وَهُوَ أَنَّ فِي تَكْفِينِهِ بِالنَّجِسِ إزْرَاءً بِهِ مِنْ الْمُكَفِّنِ بِخِلَافِ الْمُبَاشِرِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ فَقْدِ الثَّوْبِ) أَيْ وَلَوْ حَرِيرًا وَقَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ: أَيْ التَّطْيِينُ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْغَيْرُ جِلْدَا أَوْ حَشِيشًا أَوْ طِينًا، وَفِيهِ نَظَرٌ خُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَشِيشِ وَالطِّينِ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>