للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِحُرْمَةِ سَتْرِ الْجِنَازَةِ بِحَرِيرٍ وَكُلِّ مَا الْمَقْصُودُ بِهِ الزِّينَةُ وَلَوْ امْرَأَةً كَمَا يَحْرُمُ سَتْرُ بَيْتِهَا بِحَرِيرٍ، وَخَالَفَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فَجَوَّزَ الْحَرِيرَ فِيهَا وَفِي الطِّفْلِ، وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ وَهُوَ أَوْجَهُ (وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ هُنَا كَالصَّلَاةِ وَجَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ.

وَوَجْهُ الْمُحْرِمَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفَاءً بِحَقِّ الْمَيِّتِ، وَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، فَعَلَى الثَّانِي يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ، فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ بَدَنَهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ، وَمِمَّنْ اسْتَثْنَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْحُرَّةِ، وَوُجُوبُ سَتْرِهِمَا فِي الْحَيَاةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِمَا عَوْرَةً بَلْ لِكَوْنِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا يُوقِعُ فِي الْفِتْنَةِ غَالِبًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ تَغْسِيلِ السَّيِّدِ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً فِي مِلْكِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ كَمَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُ زَوْجَتِهِ مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهَا (وَلَا تُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ (وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ اللَّائِي ذَكَرَهُمَا فِي الْأَفْضَلِ فَإِنَّهُمَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِمَا، وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ أَيْضًا، وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرٍ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَيْضًا.

وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تُنَفَّذُ بِالْمَكْرُوهِ، وَإِنَّمَا لَمْ نُعَوِّلْ عَلَى وَصِيَّتِهِ بِإِسْقَاطِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ مَعَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِتَحْصِيلِ السَّتْرِ وَنَفْيِ الْإِزْرَاءِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِحُرْمَةِ سَتْرِ إلَخْ) أَيْ وَسَتْرِ تَوَابِيتِ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ الْحَرِيرُ. . إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ سَتْرَ سَرِيرِهَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا مُتَعَلِّقًا بِبَدَنِهَا وَهُوَ جَائِزٌ لَهَا، فَمَهْمَا جَازَ لَهَا فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهَا جَازَ فِعْلُهُ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا حَتَّى يَجُوزَ تَحْلِيَتُهَا بِنَحْوِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَدَفْنُهُ مَعَهَا حَيْثُ رَضِيَ الْوَرَثَةُ وَكَانُوا كَامِلِينَ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَضْيِيعُ مَالٍ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِغَرَضٍ وَهُوَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَتَعْظِيمُهُ وَتَضْيِيعُ الْمَالِ وَإِتْلَافُهُ لِغَرَضٍ جَائِزٌ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ.

[فَرْعٌ] هَلْ يَجُوزُ التَّكْفِينُ فِي ثَوْبٍ بَالٍ بِحَيْثُ يَذُوبُ سَرِيعًا لَكِنَّهُ سَاتِرٌ فِي الْحَالِ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَدَّ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَقَوْلُ سم هُنَا وَهُوَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَتَعْظِيمُهُ: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ أَخْرَجَهَا سَيْلٌ أَوْ نَحْوُهُ جَازَ لَهُمْ أَخْذُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ فَتْحُ الْقَبْرِ لِإِخْرَاجِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ مَعَ رِضَاهُمْ بِدَفْنِهِ مَعَهَا، فَلَوْ تَعَدَّوْا وَفَتَحُوا الْقَبْرَ وَأَخَذُوا مَا فِيهِ جَازَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَفَاءً بِحَقِّ الْمَيِّتِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَجَمِيعُ بَدَنِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ) أَيْ عَوْرَةَ الصَّلَاةِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الثَّانِي) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ) مِنْ تَفَارِيعِ قَوْلِهِ فَعَلَى الثَّانِي مُخْتَلِفٌ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ) لَا يُقَالُ: إنَّمَا جَازَ لِلزَّوْجِ ذَلِكَ لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ كَالتَّوَارُثِ وَبِمَوْتِ الْأَمَةِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُوبُ تَجْهِيزِهَا عَلَى السَّيِّدِ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ نُعَوِّلْ عَلَى وَصِيَّتِهِ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا جَوَابٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَكْرُوهِ كَافٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ بَدَنَهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) إلَى آخِرِ السِّوَادَةِ تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَيْ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ) أَيْ بِأَنْ أَوْصَى بِدَفْنِهِ عُرْيَانًا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>