للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ» قَالَ عَوْفٌ: فَتَمَنَّيْت أَنْ أَكُونَ أَنَا الْمَيِّتُ هَذَا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ بَالِغًا ذَكَرًا، فَإِنْ كَانَ بِالْأُنْثَى عَبَّرَ بِالْأَمَةِ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا وَإِنْ ذَكَرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَقُولُ فِيهِ وَابْنُ أَمَتِكَ اهـ.

وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ لِلْمَيِّتِ ذُكُورَةً وَلَا أُنُوثَةً يُعَبِّرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ، فَلَوْ قَالَ فِي ذَلِكَ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك؟ بِتَوْحِيدِ الْمُضَافِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَا اخْتِلَالَ فِي صِيغَةِ الدُّعَاءِ.

أَمَّا اسْمُ الْإِشَارَةِ فَلِقَوْلِ أَئِمَّةِ النُّحَاةِ إنَّهُ قَدْ يُشَارُ بِمَا لِلْوَاحِدِ لِلْجَمْعِ كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

وَلَقَدْ سَئِمَتْ مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ كَيْفَ لَبِيَدِ

وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ جَوَازِ التَّذْكِيرِ فِي الْأُنْثَى وَعَكْسِهِ عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ.

وَأَمَّا لَفْظُ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ أَفْرَادَ مَنْ أُشِيرَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَسَيَأْتِي مَا يُقَالُ فِيهِ (وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ) اسْتِحْبَابًا: أَيْ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَارِّ (: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَزَادَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ: لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

زَوْجِهَا مَا يَعُمُّ إبْدَالَ الذَّوَاتِ وَإِبْدَالَ الصِّفَاتِ اهـ.

وَإِرَادَةُ إبْدَالِ الذَّوَاتِ مَعَ فَرْضِ أَنَّهَا لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا فِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذَا قِيلَ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا، رَوَتْهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِمُعَاوِيَةَ لَمَّا خَطَبَهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ فِيمَنْ مَاتَ وَفِي عِصْمَتِهِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ " فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَةِ أَحَدِهِمْ مَوْتَهُ احْتَمَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تُخَيَّرُ وَأَنَّهَا لِلثَّانِي، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَطَلُقَتْ ثُمَّ مَاتَتْ فَهَلْ هِيَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لِلثَّانِي، وَقَضِيَّةُ الْمُدْرِكِ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَاتَ الْآخَرُ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ جَمْعٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ «الْمَرْأَةُ مِنَّا رُبَّمَا يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ فِي الدُّنْيَا فَتَمُوتُ وَيَمُوتَانِ وَيَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ لِأَيِّهِمَا هِيَ؟ قَالَ: لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ عِنْدَهَا فِي الدُّنْيَا» اهـ حَجّ بِحُرُوفِهِ.

وَهَلْ مِثْلُ الزَّوْجَةِ السُّرِّيَّةُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلسَّيِّدِ تَعَلُّقٌ بِأَرِقَّائِهِ فِي الْآخِرَةِ أَمْ لَا؟ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا) خَرَجَ بِمَا يَعُودُ إلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى اللَّهِ فَلَا يُؤَنِّثْهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ حَجّ: وَلْيَحْذَرْ مِنْ تَأْنِيثٍ بِهِ فِي مَنْزُولٍ بِهِ فَإِنَّهُ كُفْرٌ لِمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ وَتَعَمَّدَهُ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كُفْرٌ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رُجُوعَهُ إلَى اللَّهِ عَلَى إرَادَةِ الذَّاتِ وَالتَّأْنِيثِ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِهِ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ كُفْرٌ لِمَنْ قَصَدَ أَنَّ مَعْنَاهُ مُؤَنَّثٌ حَقِيقِيٌّ وَتَعَمَّدَهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِمْ هَلْ يَضُرُّ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَأَنْتَ خَيْرُ كِرَامٍ مَنْزُولٍ بِهِمْ: أَيْ خَيْرُ الْكِرَامِ الَّذِينَ يَنْزِلُ الضُّيُوفُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: ١٥٥] (قَوْله فَالْمُتَّجَهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ) وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ كَمَا مَرَّ فِي الْأُنْثَى (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَدْ يُشَارُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ بِلَا تَأْوِيلٍ بِالْمَذْكُورِ أَوْ نَحْوِهِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ فِي مِثْلِهِ التَّأْوِيلُ بِالْمَذْكُورِ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الثَّانِي لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (قَوْلُهُ: وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا) أَيْ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ جَوَازِ التَّذْكِيرِ فِي الْأُنْثَى وَعَكْسِهِ) كَانَ مُرَادُهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ إلَخْ، لَكِنَّ صُورَةَ الْعَكْسِ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ وَلَا النِّسْبَةُ لِلْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ) أَيْ أَوْ النَّسَمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>