رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا: أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ كَانَ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ.
اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ: أَيْ هُوَ ضَيْفُك، وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ، وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْك شُفَعَاءَ لَهُ.
اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِّهِ: أَيْ أَعْطِهِ بِرَحْمَتِك رِضَاكَ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْأَخْبَارِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا، وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي مَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَسَمِعْته يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَقِه مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْأَفْصَحَ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ فِي الرَّوْحِ الضَّمُّ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: ٨٩] وَفِي السَّعَةِ الْكَسْرُ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ:
وَسَعَةٌ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْزَانِ ... وَالْكَسْرُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصَّاغَانِيِّ
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا يُحِبُّهُ) وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ أَحَبَّ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَكَسْرُ الْحَاءِ مِنْ حَبَّ لُغَةٌ فِي أَحَبَّ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ جِئْنَاك) هَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ كَمَا فِي الْقُنُوتِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَقُولُ جِئْتُك شَافِعًا، أَوْ هُوَ عَامٌّ فِي الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَيَقُولُ الْمُنْفَرِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَارَكَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ حُصِرَ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَلَكَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا، وَهُوَ ظَاهِرٌ اتِّبَاعًا لِلَّفْظِ الْوَارِدِ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ، هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مُحْسِنًا إلَخْ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ مُسِيئِينَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَزِيدُ: إنْ شَاءَ عَلَى الْوَارِدِ مَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الدُّعَاءِ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ بِأَنَّ ذَاكَ وَرَدَ تَعْلِيمُهُ بِخُصُوصِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ مَجْمُوعٌ مِنْ أَدْعِيَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَوُرُودُهَا كَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ هَكَذَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ وَاعْفُ عَنْهُ) أَيْ مَا صَدَرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَعَافِهِ) أَيْ أَعْطِهِ مِنْ النَّعِيمِ مَا يَصِيرُ بِهِ كَالصَّحِيحِ فِي الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ) أَيْ أَعْظِمْ مَا يُهَيَّأُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ النَّعِيمِ.
وَفِي الْمُخْتَارِ النُّزُلُ بِوَزْنِ الْقُفْلِ مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ وَالْجَمْعُ الْأَنْزَالُ، وَالنُّزُلُ أَيْضًا الرُّبُعُ، يُقَالُ طَعَامٌ كَثِيرُ النُّزُلِ أَوْ النَّزَلِ بِفَتْحَتَيْنِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالنُّزُلُ بِضَمَّتَيْنِ: طَعَامُ النَّزِيلِ الَّذِي يُهَيَّأُ لَهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة: ٥٦] اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي نُزُلِهِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ وَهُوَ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ: وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْدَالِ فِي الْأَهْلِ وَالزَّوْجَةِ إبْدَالُ الْأَوْصَافِ لَا الذَّوَاتِ قَوْله تَعَالَى {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] وَلِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ» ثُمَّ رَأَيْت شَيْخًا قَالَ: وَقَوْلُهُ أَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ مَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ يَصْدُقُ بِتَقْدِيرِهَا لَهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ، وَكَذَا فِي الزَّوْجَةِ إذَا قِيلَ إنَّهَا لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، يُرَادُ بِإِبْدَالِهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .