للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا، وَكَذَا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

قَالَ الْإِمَامُ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلِهَذَا صَرَّحَ هُوَ بِحُرْمَةِ الْإِفْرَاطِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، وَنَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَخَصَّ الْخَدَّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِيهِ، وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:

إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا بِنْتَ مَعْبَدٍ

وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وَفِي أُخْرَى (مَا نِيحَ عَلَيْهِ) وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مُدَّةَ التَّعْذِيبِ مُدَّةُ الْبُكَاءِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهَا بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ.

وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَنْبَهُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبِّبِ، وَشَاهِدُهُ خَبَرُ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» وَحَاصِلُهُ الْتِزَامُ مَا قَالَهُ، وَيُقَالُ كَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَذَابِهِ الْمُتَكَرِّرِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَعَ الِامْتِثَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فُقِدَ الِامْتِثَالُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى إثْمِ الْأَمْرِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَبْكُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ.

وَيُكْرَهُ رِثَاءُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ مَآثِرِهِ وَفَضَائِلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي.

وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَيَظْهَرُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ، أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ.

قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ:

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

(قُلْت: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ زِدْتهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهِيَ أَكْبَرُ زِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَطِنُ يَرُدُّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا لِمَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا لَاحْتَاجَ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَيُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ الْمُنَافِي لِغَرَضِهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ (يُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وَكَضَرْبِ يَدٍ عَلَى أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى إظْهَارِ الْجَزَعِ (قَوْلُهُ: وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ) وَمِثْلُهُ الطِّينُ بِالْأَوْلَى سَوَاءٌ مِنْهُ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ) أَيْ لِلْمُصَابِ (قَوْلُهُ: وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ ذَكَرَ فِي تَأَسُّفِهِ مَا تَذْكُرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي تَأَسُّفِهَا عَلَى مَا فَاتَ (قَوْلُهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] أَيْ لَا تَحْمِلُ مُذْنِبَةٌ ذَنْبَ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ طَرَفَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ ابْنُ الْعَبْدِ: أَيْ وَكَانَ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ) أَيْ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ، أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ (قَوْلُهُ: زِدْتهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ) كَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ حِكَايَةً عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمُنَاسَبَةٍ.

قُلْت: أَيْ وَزِيَادَتُهَا عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ) كَوْنُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ لَا يُلَاقِي مَا قَرَّرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ كَلَامُهُ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَلَعَلَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>