للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ) .

قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِغُسْلِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ مُسَارَعَةً إلَى فَكِّ نَفْسِهِ لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَالًا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.

وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُبْرِيًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ

وَالْمَصْلَحَةِ

، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرِكَةِ، أَوْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) تَنْفِيذُ (وَصِيَّتِهِ) مُسَارَعَةً لِوُصُولِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَالْبِرِّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ، وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا (وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ أَوْ نَحْوِهِمَا لِخَبَرِ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا تُنَافِي أَنَّهَا مُصَرَّحٌ بِهَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّرِ أَوْ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ) قَالَ حَجّ: وَإِنْ قَالَ جَمَعَ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً أَوْ فِيمَنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَبْسِ رُوحِهِ بَيْنَ مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ مَنْ عَصَى بِاسْتِدَانَةٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا أُخِذَ بِالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَالْمُعَاطَاةِ حَيْثُ لَمْ يُوَفِّ الْعَاقِدُ بَدَلَ الْمَقْبُوضِ كَأَنْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمَبِيعَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوَفِّ بَدَلَهُ.

أَمَّا مَا قُبِضَ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَبَضَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَفِي الدُّنْيَا يَجِبُ عَلَى كُلٍّ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخِرَةِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالتَّرَاضِي.

نَعَمْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَأَلَ وَلِيُّهُ (قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ إلَخْ) أَيْ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُلْتَزِمِ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ وَفَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ التَّرِكَةُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ فَتَصِيرُ مَرْهُونَةً بِهِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ أُخِذَ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ مِنْ التَّرِكَةِ) يَنْبَغِي تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبٍ وَقَوْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ) أَيْ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: فِي الْوَصِيَّةِ) يَنْبَغِي تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ عِنْدَ طَلَبٍ وَقَوْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِمَا) أَيْ كَتَهْدِيدِ ظَالِمٍ (قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إلَخْ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَتَوَفَّنِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ إذَا كَانَتْ إلَخْ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِمَا وَفَّى الثَّانِيَ بِإِذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ لِامْتِدَادِهَا وَطُولِ زَمَنِهَا تُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ، بِخِلَافِ الْوَفَاةِ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ الرُّوحِ وَلَيْسَ فِيهِ زَمَنٌ يُقَدَّرُ.

قَالَ حَجّ: تَنْبِيهٌ: تُنَافِي مَفْهُومًا كَلَامَهُ فِي مُجَرَّدِ تَمَنِّيهِ: أَيْ الْخَالِي عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهَا أَنَّهُ مَعَ الضَّرَرِ يَشْعُرُ بِالتَّبَرُّمِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِهِ بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النُّفُوسِ النُّفْرَةُ عَنْ الْمَوْتِ فَتَمَنِّيهِ لَا لِضُرٍّ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ الْآخِرَةِ، بَلْ حَدِيثُ «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ»

ــ

[حاشية الرشيدي]

مُحَرَّفٌ عَنْ لَفْظِ كَلَامِهِمْ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِغُسْلِهِ وَغَيْرِهِ) أَشَارَ بِلَفْظِ الِاشْتِغَالِ إلَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ تَقْدِيمِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ، إذْ مَا هُنَا فِي مُجَرَّدِ تَقْدِيمِ فِعْلِ مَا ذُكِرَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، وَالصُّورَةُ أَنَّ الْمَالَ يَسَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُفْرِزُ مَا بَقِيَ بِالتَّجْهِيزِ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ) أَيْ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ: أَيْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>