للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قُبُورِ جَمَاعَةٍ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا دُفِنُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ هَذَا أُخِذَ جَمْعُ اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا عَلَيْهِ إلَى بَعْدِ الدَّفْنِ

(وَمَنْ صَلَّى) عَلَى مَيِّتٍ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا (لَا يُعِيدُ) هَا أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) فِي جَمَاعَةٍ وَلَا انْفِرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ نَفْلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا تُعَادُ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْأُولَى نَفْلًا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ.

نَعَمْ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا صَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ يُعِيدُهَا، قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ.

وَقِيَاسُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ لِخَلَلٍ يُصَلِّي هُنَا، وَيُعِيدُ أَيْضًا لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَعَيُّنِ صَلَاتِهِ عَلَيْهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ حُصُولِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ كَغَيْرِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَعَادَهَا وَقَعَتْ نَفْلًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ إذْ الصَّلَاةُ لَا تَنْعَقِدُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً، بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الثَّانِيَةَ تَقَعُ فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَيُوَجَّهُ انْعِقَادُهَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ، وَقَدْ لَا تُقْبَلُ الْأُولَى، وَتُقْبَلُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ يَقِينًا.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَتَقَعُ صَلَاتُهُ فَرْضًا.

لَا يُقَالُ: سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْأُولَى فَامْتَنَعَ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِرِضًا.

لِأَنَّا نَقُولُ: السَّاقِطُ بِالْأُولَى حَرَجُ الْفَرْضِ لَا هُوَ، وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ، وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ السُّبْكِيّ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا (وَلَا تُؤَخَّرُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَيْ لَا يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ (لِزِيَادَةِ الْمُصَلِّينَ) لِخَبَرِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» وَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ الْوَلِيِّ إذَا رُجِيَ حُضُورُهُ عَنْ قُرْبٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عَلَامَةٌ عَلَى زِيَادَةِ الرَّحْمَةِ لَهُ فَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ تَبَرُّكًا بِهِ حَيْثُ اُخْتِيرَ لَهُ الْمَوْتُ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عُرِفَ بِغَيْرِ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ: إلَى بَعْدَ الدَّفْنِ) أَيْ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسَارَعَةً إلَى دَفْنِهِ

(قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُهَا) وَهَلْ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا: أَيْ الْمُعَادَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا نَفْلٌ.

لَا يُقَالُ: تُقَاسُ عَلَى الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَةَ مَطْلُوبَةٌ إعَادَتُهَا، وَأَيْضًا اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ الْفَرْضُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ.

وَأَمَّا هُنَا فَالْإِعَادَةُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بِالْمَرَّةِ فَافْتَرَقَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً وَيَقْطَعُوهَا، وَلَا يُقَالُ الْقَطْعُ فِي الثَّانِيَةِ فِيهِ إزْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ مَحْضٌ وَلَيْسَتْ مَطْلُوبَةً بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ حُرْمَةُ قَطْعِهَا كَالْمُعَادَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الثَّانِيَةَ تَقَعُ فَرْضًا إلَخْ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجّ.

وَإِذَا أَعَادَ وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا فَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا) أَيْ فَتَكُونُ مُبَاحًا لَا يُعِيدُهَا، (قَوْلُهُ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ يُعِيدُهَا) أَيْ نَدْبًا حَيْثُ سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ) يُرَاجَعُ هَذَا مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ، وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْأَصَحُّ إنْ قَطَعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ نَصُّهَا: وَقَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ لَيْسَ لِحَاضِرٍ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ مَرْدُودٌ قِيلَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْضُ فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِفِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ اهـ.

هَذَا وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْصُلُ الْفَرْضُ بِهِ، وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ مَا هُنَا جَرَى فِيهِ عَلَى غَيْرِ مَا اسْتَوْجَبَهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَعَادَهَا وَقَعَتْ نَفْلًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَخَذَ جَمْعٌ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِهَا عَلَيْهِ) أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ

(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ لَا يَنْتَفِلُ بِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا) أَيْ لَا يُطْلَبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ وَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَعَادَهَا وَقَعَتْ نَفْلًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ) يَعْنِي فِعْلَهَا مَعَ الْخَلَلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ إلَخْ) مَا قَبْلَهُ يُغْنِي عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>