للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَوْله تَعَالَى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠] مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ بَلْ وَرَدَ فِيهِ مَا يَرُدُّهُ (وَالطَّوَافُ) بِأَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ خَبَرًا «الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَإِنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ» (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ) وَهُوَ مُثَلَّثُ الْمِيمِ (وَمَسُّ وَرِقِهِ) الْمَكْتُوبِ فَلَهُ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَقِيسَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَسِّ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَفْحَشُ مِنْهُ، وَالْمُطَهَّرُ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِ، نَعَمْ لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى حَمْلِهِ كَأَنْ خَافَ عَلَيْهِ تَنَجُّسًا أَوْ كَافِرًا أَوْ تَلَفًا أَوْ ضَيَاعًا وَعَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ وَعَنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا ثِقَةً حَمَلَهُ حَتْمًا فِي غَيْرِ الضَّيَاعِ وَلَوْ حَالَ تَغَوُّطِهِ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ لَهُ إنْ أَمْكَنَهُ (وَكَذَا جِلْدُهُ) (عَلَى الصَّحِيحِ) لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْهُ بِدَلِيلِ دُخُولِهِ فِي بَيْعِهِ.

وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ وِعَاءٌ لَهُ كَكِيسِهِ. هَذَا إنْ كَانَ مُتَّصِلًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا حَرُمَ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ عُصَارَةِ الْمُخْتَصَرِ لَلْغَزَالِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ مَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ، وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَصَدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَوَّلٌ) أَيْ بِمُنْقَادَيْنِ لَهُ أَوْ يَخِرُّوا لِأَجْلِهِ سُجَّدًا لِلَّهِ شُكْرًا (قَوْلُهُ: بَلْ وَرَدَ فِيهِ) يُتَأَمَّلُ هَذَا الْإِضْرَابُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ مَا يَرُدُّهُ فَيَكُونُ الْغَرَضُ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى فَاعِلِهِ وَإِنْ وَافَقَ شَرْعَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: قَدْ أُحِلَّ فِيهِ) لَعَلَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَرُمَ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْطِقُ) اُنْظُرْ هَلْ الرِّوَايَةُ هُنَا بِالْجَزْمِ أَوْ الرَّفْعِ. وَرُوِيَ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ، وَهِيَ تُشْعِرُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ هُنَا بِالْجَزْمِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بَعْدَ النَّهْيِ كَثِيرٌ، وَالْأَصْلُ تَوَافُقُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ: وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ) وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ اهـ زِيَادِيُّ:

وَفِي الْمِصْبَاحِ: الدَّفُّ: الْجَنْبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ دُفُوفٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَقَدْ يُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ فَيُقَالُ: الدَّفَّةُ وَمِنْهُ دَفَّتَا الْمُصْحَفِ لِلْوَجْهَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

(فَرْعٌ) هَلْ يَحْرُمُ تَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ بِأَنْ يُقَالَ مُصَيْحِفٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْخَطُّ مَثَلًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَمَسُّ وَرَقِهِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَسَّهُ مَعَ الْحَدَثِ لَيْسَ كَبِيرَةً سم عَلَى مَنْهَجٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا كَالطَّوَافِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِنَّهَا كَبِيرَةٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ مَنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حُكِمَ بِكُفْرِهِ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ أَوْ أَنْفُهُ مَثَلًا وَاِتَّخَذَ لَهُ أُصْبُعًا أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلْأُشْمُونِيِّ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي لَفِّ الْكُمِّ وَالْمَسِّ بِهِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ بِالْحُرْمَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ فِي لَفِّ الْكُمِّ قَدْ مَسَّ بِيَدِهِ بِحَائِلٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى النَّهْيِ) قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ وَمَا يَلْزَمُ الْخُلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْمَسِّ الْمَشْرُوعِ. وَعِبَارَةُ الصَّفَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧] الْآيَةُ مَا نَصُّهُ: قِيلَ وَنِعْمَ مَا قِيلَ لَا رَفَثَ لَيْسَ نَفْيًا لِوُجُودِهِ بَلْ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى نَفْيِ وُجُودِهِ مَشْرُوعًا لَا مَحْسُوسًا ك {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] وَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ إذَا ذَكَرْتهَا لَا تَحْتَاجُ أَنْ تَقُولَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الضَّيَاعِ) أَيْ أَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ لَهُ إنْ أَمْكَنَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَقَدَ التُّرَابَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْحَنَفِيِّ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ مِنْ عَلَى عَمُودٍ مَثَلًا وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: كَكِيسِهِ) الْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ مَسِّ كِيسِهِ وَهُوَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ جِلْدَ الْكِتَابِ جِلْدًا لِكِتَابٍ آخَرَ وَلَيْسَ مِنْ انْقِطَاعِهَا مَا لَوْ جَلَّدَ الْمُصْحَفَ بِجِلْدٍ جَدِيدٍ وَتَرَكَ الْأَوَّلَ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ. أَمَّا لَوْ ضَاعَتْ أَوْرَاقُ الْمُصْحَفِ أَوْ حُرِّقَتْ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الْجِلْدِ كَمَا يَأْتِي بِالْهَامِشِ عَنْ سم نَقْلًا

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>