«فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْهُ» وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥] وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ كَمَا قَالَ (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ.
(وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا بِمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ إذْ ذَاكَ فِي اسْتِحْبَابِهِ فِي رَمَضَانَ وَمَا هُنَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَى حِكْمَةِ أَفْضَلِيَّتِهِ هُنَا بِقَوْلِهِ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الَّتِي هِيَ فِيهِ أَيْ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ قَالَ تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) وَاَلَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إجْمَاعًا وَتُرَى حَقِيقَةً فَيَتَأَكَّدُ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكِهَا كُلَّ عَامٍ وَإِحْيَاءُ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِهَا فِي خَبَرِ «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» رُفِعَ عِلْمُ عَيْنِهَا وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْتِمَاسِهَا، وَمَعْنَى «عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» : أَيْ لِتَرْغَبُوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي وَلِيَكْثُرَ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ بِإِخْلَاصٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا» ، وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا، وَمَا نُقِلَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا، فَمَنْ قَامَهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا، رَدَّهُ جَمْعٌ بِتَصْرِيحِ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَوَافَقَهَا» وَتَفْسِيرُ الْمُوَافَقَةِ بِالْعِلْمِ غَيْرُ مُسَاعِدٍ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا " وَبِقَوْلِ أَصْحَابِنَا: يُسَنُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الشَّهْرِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ بِيَقِينٍ. نَعَمْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا ذُكِرَ. وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ، وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهَلْ اعْتِكَافُهُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ كَانَ فِي سَنَةٍ أَوْ سِنِينَ وَهَلْ الْأَوْسَطُ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: ١٢٥] أَيْ نَزِّهَاهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) أَيْ حَتَّى أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَسَائِلِ النَّذْرِ الْآتِيَةِ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُهُ
(قَوْلُهُ: مُكَرَّرًا بِمَا مَرَّ) أَيْ مَعَ مَا مَرَّ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ (قَوْلُهُ: «إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» ) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ، وَاحْتِسَابًا: أَنَّ طَلَبًا لِرِضَاءِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا رِيَاءَ وَسُمْعَةَ وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ، وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ اهـ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: وَلِيَكْثُرَ فِيهَا) أَيْ حَيْثُ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ مِنْ اللَّيَالِي الَّتِي تُرْجَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ كَالْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا كَالْكَرَامَةِ وَهِيَ يُسْتَحَبُّ كَتْمُهَا، وَعِبَارَةُ حَجّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ نَوْعَانِ مَا نَصُّهُ: تَعْلِيلًا لِكَلَامٍ قَرَّرَهُ وَلِإِطْبَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْيَافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ: أَيْ الْوَلِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْ قَصْدِ الْكَرَامَةِ وَفِعْلُهَا مَا أَمْكَنَ اهـ. لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ طَلَبُ كَتْمِهَا إذَا اتَّفَقَ ظُهُورُهَا عَلَى يَدِهِ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ لَيَالِي الشَّهْرِ) فِي نُسْخَةٍ الْعَشْرُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ) أَيْ وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ إنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْكِتَابَةِ فِيهَا وَتَمَامَ الْكِتَابَةِ وَتَسْلِيمَ الصُّحُفِ لِأَرْبَابِهَا إنَّمَا هُوَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ) هَذَا نَتِيجَةُ الطَّلَبِ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِحْيَاءُ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ) هَذَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا إلَّا قَوْلَهُ كُلِّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَلْيُكْثِرْ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute