(أَوَالثَّالِثُ وَالْعِشْرِينَ) مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ وَهَذَا نَصُّ الْمُخْتَصَرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَأَرْجَاهَا بَعْدَ مَا مَرَّ بَقِيَّةٌ أَوْ تَارَةٌ وَفِيهَا لِلْعُلَمَاءِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِيهَا، وَأَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَامَةٌ لَهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ وَنُزُولِهَا وَصُعُودِهَا فِيهَا فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا " وَفَائِدَةُ مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوْتِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا، وَلِيَجْتَهِدَ فِي مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ انْتِقَالِهَا، وَقَدْ نُقِلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ»
وَلِلِاعْتِكَافِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مَسْجِدٌ وَلُبْثٌ وَنِيَّةٌ وَمُعْتَكِفٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ، فِي الْمَسْجِد) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ بِحَسَبِ لَيْلِهِمْ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَنَا نَهَارًا لِغَيْرِنَا تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ وَالثَّوَابُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهَا لِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْمٍ وَلَيْلًا بِالنِّسْبَةِ لِآخَرِينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِيَنْطَبِقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى اللَّيْلِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْخُطَبِ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ) مِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أُرِيتهَا اللَّيْلَةَ وَأَرَانِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ، فَأَصْبِحُوا مِنْ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَأَرْنَبَتُهُ أَيْ أَنْفُهُ فِيهِمَا أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ مِثْلَ هَذَا عَنْ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ اهـ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَأَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَا شُعَاعَ لَهَا كَأَنَّهَا طَسْتٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ» وَقَوْلُهُ كَأَنَّهَا طَسْتٌ أَيْ مِنْ نُحَاسٍ أَبْيَضِ مُنَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنُزُولُهَا وَصُعُودُهَا فِيهَا) لَا يُقَالُ: اللَّيْلَةَ تَنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَيْفَ تَسْتُرُ بِصُعُودِهَا وَنُزُولِهَا فِي اللَّيْلِ ضَوْءَ الشَّمْسِ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ كَمَا يَكُونُ فِي لَيْلَتِهَا يَكُونُ فِي يَوْمِهَا، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ يَنْتَهِي نُزُولُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ أَنَّ الصُّعُودَ مُتَأَخِّرٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ لَيْلًا فَيَجُوزُ أَنَّهَا إذَا صَعِدَتْ تَكُونُ مُحَاذَاتُهَا لِلشَّمْسِ وَقْتَ مُرُورِهَا فِي مُقَابَلَتِهَا نَهَارًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا إلَخْ) وَهَلْ الْعَمَلُ فِي يَوْمِهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا صَبِيحَةُ يَوْمِ قُدِّرَ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلَةِ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَقَدْ نَقَلَ) أَيْ النَّوَوِيُّ وَقَوْلُهُ عَنْ نَصِّهِ: أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ) أَيْ وَاتَّفَقَ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُلَازَمَةِ جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ فَقَدْ أَخَذَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِحَظٍّ وَافِرٍ»
(قَوْلُهُ: فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ وَلَوْ ظَنًّا فِيمَا يَظْهَرُ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاللُّبْثُ بِالْمَسْجِدِ لَا عُبُورَهُ نَصُّهَا: وَهَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنًى اهـ
[حاشية الرشيدي]
ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَزَادَ هُنَا تَقْيِيدَهُ بِالْإِخْلَاصِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَوْتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute