للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْحَجِّ) لِمَكِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ (وَعَشْرُ لِيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ.

وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَلْيَقُلْ وَتِسْعَةٌ أَوْ اللَّيَالِي فَهِيَ عَشْرٌ.

وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغَلَبَ التَّأْنِيثُ فِي الْعَدَدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ وَهُوَ إخْرَاجُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِإِرَادَةِ الْأَيَّامِ، وَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ فَمَعَ حَذْفِهِ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ فِي إخْرَاجِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ اهـ.

وَأَفَادَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ جَوَابُ السُّؤَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَابٌ عَنْهُ ثَانٍ، وَأَمَّا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى آخِرِهِ (مِنْ ذِي الْحِجَّةَ) بِكَسْرِ الْحَاء أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] بِذَلِكَ: أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذْ فِعْلُهُ لَا يَحْتَاجُ لِأَشْهُرٍ، وَأَطْلَقَهَا عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَغْلِيبًا أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مَعَ ضِيقِ زَمَنِ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَالَ حَجّ: فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقِيٌّ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَخُصُّ التَّوْقِيتَ بِالْحَدِّ لِلْوَقْتِ فَتُوَسِّعَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ) أَيْ آخِرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْحَجِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مُعْظَمَهُ عَرَفَةُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد) أَيْ اعْتَرَضَ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ مِنْ قَوْلِهِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا تَقَدَّمَهُ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالتِّسْعِ الْأَيَّامُ مَعَ اللَّيَالِيِ، وَعَلَى هَذَا الْأَيَّامُ وَحْدَهَا وَاللَّيَالِي مَسْكُوتٌ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ إخْرَاجٌ لِلَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ اللَّيَالِيِ وَحُكْمُهَا يُعْلَمُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَقِيقَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا) قَالَ حَجّ: مَا بَيْنَ مُنْتَهَى غُرُوبِ آخَرِ رَمَضَانَ وَفَجْرُ النَّحْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهِ فِيهِ وَإِنْ انْتَقَلَ بَعْدَهُ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى تُخَالِفُ مَطْلِعَ تِلْكَ وَوَجَدَهُمْ صِيَامًا عَلَى الْأَوْجُهِ، لِأَنَّ وُجُوبُ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ فِي الصَّوْمِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانُ حَجِّهِ الَّذِي انْعَقَدَ لِشِدَّةِ تَثَبُّتِ الْحَجِّ وَلُزُومِهِ، بَلْ قَالَ فِي الْخَادِمِ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ: لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ.

قَالَ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِطْرَةٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ فِيهِ إعْطَاءَ لَهُ حُكْمَ شَوَّالٍ. اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ قَرِيبٌ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَفِي الْفِطْرَةِ يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا حَدَّثَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ فِي الْبَلَدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ لُزُومِهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِمَحِلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّته لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ إلَيْهَا صَارَ مِثْلَهُمْ فِي الصَّوْمِ، فَكَذَا الْحَجُّ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَدُّ الْكَفَّارَةُ لِمَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ) أَيْ فِي مَقَامِ اخْتِصَارِ كَلَامِ الْمُهِمَّاتِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ لِأَنَّهُ تَعَقُّبٌ مِنْهُ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّنَافِي فِي طَرَفَيْ كَلَامِهِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ جَوَابَيْ الْأَصْحَابِ وَصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ شِقَّيْ التَّرْدِيدِ فِي كَلَامِ ابْنِ دَاوُد، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَصْحَابَ يَقُولُونَ حَذَفَ التَّاءَ تَغْلِيبًا لِلَّيَالِيِ الْمُرَادَةِ مَعَ الْأَيَّامِ، فَالْمُرَادُ بِاللَّيَالِيِ فِي كَلَامِهِمْ لَيَالِي تِلْكَ الْأَيَّامِ التِّسْعَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ وَالِدِ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهَا، خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُ ابْنِ الْعِرَاقِيِّ، وَالسُّؤَالُ بَاقٍ مَعَهُ إلَخْ، وَصَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ يَقُولُ: حَذَفَ التَّاءَ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يُعْلَمُ مَا وَقَعَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>