كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَا يَصِحُّ مَعَهُ إدْرَاكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ اهـ.
وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا وَقْتُهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَجُّ بِلَا شَكٍّ. قَالَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ: وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ نَعَمْ.
وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ فَبَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ يَعْتَقِدُ تَقَدُّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَبَانَ فِيهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ كُلُّ الْحَجِيجِ فَهَلْ يُغْتَفَرُ كَخَطَأِ الْوُقُوفِ أَوْ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً؟ وَجْهَانِ، أَوْفَقُهُمَا الثَّانِي أَخْذًا بِعُمُومِ كَلَامِهِمْ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَلَطَ ثَمَّ يَقَعُ كَثِيرًا فَاقْتَضَتْ الْحَاجَةُ بَلْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةُ بِهِ، وَهُنَا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يُغْتَفَرْ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجِيجِ الْعَامِّ، وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ تَقْصِيرٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ كَوْنِ الْهِلَالِ غُمَّ عَلَيْهِمْ وَلَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي دَفْعِهِ، وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إنْ كَانَ بِتَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ عَلَى وَقْتِهَا فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْخِيرِهَا عَنْهُ فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَادِي عَشَرَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا لَا يُجْزِئَانِ (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ) وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ وَيَوْمُ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ فَكَذَا لَيْلَتُهُ (فَلَوْ) (أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ حَلَالٌ (فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) كَرَمَضَانَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الصَّحِيحِ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا أَمْ جَاهِلًا لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْإِحْرَامِ وَلُزُومِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ؛ لِمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ فِيمَا إذَا نَوَاهُ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّمَانَيْنِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلَا عُمْرَةً،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلِمْت اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: مَا يَصِحُّ مَعَهُ) أَيْ مَا يَتَأَتَّى مَعَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ بَعْدَ فَرْضِ الْكَلَامِ فِيمَنْ أَحْرَمَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْوُقُوفُ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْوُقُوفُ لِمَانِعٍ قَامَ بِخُصُوصِهِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِمَكَّةَ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفَ لِمَا قَامَ بِهِ مِنْ الْمَانِعِ مَعَ إمْكَانِ الْوُقُوفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِمَنْ أَحْرَمَ ثَمَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ الْخَادِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ إذْ هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ لَا مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) هَذَا يُشْكَلُ بِنَظِيرِهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ حَيْثُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فِي شَعْبَانَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ صَلَاحِيَةُ الْوَقْتِ لِكُلٍّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَرُدُّ أَنَّ الصَّوْمَ صَالِحٌ لِوُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بِالزَّمَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِأَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: وَتَحَلَّلَ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ التَّحَلُّلِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ
[حاشية الرشيدي]
حَاشِيَةِ الشَّيْخِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا وَقْتُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُ الشَّارِحِ بِسِيَاقِ هَذَا عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَلْ مُرَادُهُ تَعَقُّبُهُ بِهِ أَوْ مُجَرَّدُ إثْبَاتِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا أَوْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا وَجْهُ الْمُغَايِرَةِ وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ لَا يَشْفِي فَلْيُحَرَّرْ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا فَرْقٌ بِالْحُكْمِ إذْ حَاصِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُنَا مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ فِي خَطَإِ الْوُقُوفِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَالْفَرْقُ إنَّمَا يَكُونُ بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ) هَذَا التَّشْبِيهُ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَّعَى مِنْ انْعِقَادِهِ عُمْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute