للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الرُّكُوبِ بِلَا حَاجَةٍ، فَالزَّحْفُ مِثْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْغَرَضِ مِنْهُ وَأَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ.

(وَيُسْتَحَبُّ الْحَفَا فِي الطَّوَافِ مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَنْ يَقْصُرَ فِي الْمَشْيِ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ.

(وَ) ثَانِيهَا أَنْ (يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ أَيْ بِلَمْسِهِ بِيَدِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيُقَبِّلَهُ) دُونَ رُكْنِهِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ رَدَّهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَجَرِ وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ مَحَلِّهِ إلَّا ثَبَتَ لِمَحَلِّهِ كَمَا مَرَّ وَيُسَنُّ تَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ، وَلَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ وَلَا قُرْبٌ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَتَخْصِيصُهُ فِي الْكِفَايَةِ بِاللَّيْلِ مِثَالٌ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ (وَيَضَعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَيُسَنُّ كَوْنُ التَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ ثَلَاثًا (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَقْبِيلِهِ وَوَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَيْهِ لِنَحْوِ زَحْمَةٍ (اسْتَلَمَ بِيَدِهِ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِلَامِ بِيَدِهِ فَبِنَحْوِ عَصًا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَظَاهِرُهُ كَأَخْبَارٍ أُخَرَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ وَإِنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ بِتَعَذُّرِ تَقْبِيلِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِيَدِهِ) أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْيُمْنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيُسْرَى كَمَا أَفَادَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُرَاعِي ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامَ وَمَا بَعْدَهُ (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ) مِنْ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ، وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ (وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ) وَهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَهُمَا الْحِجْرُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا) بِيَدِهِ وَلَا بِشَيْءٍ فِيهَا: أَيْ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ» (وَيَسْتَلِمُ) الرُّكْنَ (الْيَمَانِيَ) نَدْبًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ (وَلَا يُقَبِّلُهُ) لِعَدَمِ نَقْلِهِ.

نَعَمْ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الصَّيْفِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَكَذَا هُنَا، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّهُ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَقْبِيلِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ سُنَّةً، فَلَوْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْحَفَا) بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ) أَيْ أَوْ يَخْشَ انْتِقَاضَ طَهَارَتِهِ بِلَمْسِ النِّسَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا ثَبَتَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَخْفِيفُ الْقِبْلَةِ) أَيْ لِلْحَجَرِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا طُلِبَ تَقْبِيلُهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٍّ وَوَالِدٍ وَأَضْرِحَةٍ (قَوْلُهُ: وَيَضَعُ) أَيْ بِلَا حَائِلٍ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ: أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ. [فَرْعٌ]

لَوْ تَعَارَضَ التَّقْبِيلُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَأَنْ خَافَ هَلَاكًا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دُونَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُؤْثَرُ التَّقْبِيلَ لِسَبْقِهِ أَوْ وَضْعَ الْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُضُوعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَلَوْ بِحَائِلٍ لَكِنَّ الْأَكْمَلَ الْوَضْعُ بِلَا حَائِلٍ. [تَنْبِيهٌ]

قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ بَلْ وَرِجْلِهِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَظِيرِ مَا هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الِاتِّبَاعُ فِيمَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ قَبْلَ التَّنْبِيهِ فَهَلْ يُؤْثَرُ التَّقْبِيلُ الظَّاهِرُ نَعَمْ لِثُبُوتِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ وَضْعِ الْجَبْهَةِ (قَوْلُهُ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ يُقَبِّلُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّقْبِيلَ قَدْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>