للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبَّلَهَا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى بَلْ يَكُونُ حَسَنًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: وَأَيُّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنِ فِيهِ الْمُبَاحُ، فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ، وَالْيَمَانِيُ نِسْبَةً إلَى الْيَمَنِ وَتَخْفِيفُ يَائِهِ لِكَوْنِ الْأَلْفِ بَدَلًا مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ أَكْثَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى زِيَادَةِ الْأَلْفِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ، وَالْيَمَانِيُ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ.

(وَ) ثَالِثُهَا الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فَيُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) وَكَذَا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ آكَدُ (بِسْمِ اللَّهِ) أَطُوفُ (وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ (اللَّهُمَّ) أَطُوفُ (إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً) أَيْ تَمَامًا (بِعَهْدِكَ) وَهُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ (وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَإِيمَانًا وَمَا بَعْدَهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَفْعَلُهُ إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ. وَأَفَادَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ اسْتَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ ذُرِّيَّتَهُ، وَقَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] فَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ بِذَلِكَ عَهْدٌ وَيُدْرَجَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَلْيَقُلْ) نَدْبًا (قُبَالَةَ الْبَابِ) بِضَمِّ الْقَافِ: أَيْ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُقَابِلُهُ (اللَّهُمَّ الْبَيْتَ بَيْتُك وَالْحَرَمَ حَرَمُكَ وَالْأَمْنَ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ) وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ.

وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ؛ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ: اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك، وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيّ وَالْيَمَانِي: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ: أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَقِسْ بِهِ الْبَاقِيَ، وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً، وَيَحْتَمِلُ اسْتِحْبَابَ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ نَبَّهَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَرَفْعِ الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ جَزَمَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الرَّوْنَقِ يُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ كَالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: اسْتَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ ذُرِّيَّتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الذُّرِّيَّةِ خَرَجَتْ مِنْ نَفْسِ صُلْبِ آدَمَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: ١٧٢] .

وَفِي تَفْسِيرِ الْخَطِيبِ مَا نَصُّهُ: أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا عَرَفُوهُ بِهِ كَمَا جَعَلَ لِلْجِبَالِ عُقُولًا حَتَّى خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: ١٠] وَكَمَا جَعَلَ لِلْبَعِيرِ عَقْلًا حَتَّى سَجَدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ وَهُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إنْسَانٍ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ وَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ: ذُرِّيَّتُك، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: دَاوُد، قَالَ: يَا رَبِّ كَمْ جَعَلْت عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَمَّا انْقَضَى عُمَرُ آدَمَ إلَّا أَرْبَعِينَ سَنَةً جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَم: أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُد؟ فَجَحَدَ آدَم فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ آدَم فَأَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) أَيْ إشَارَةً قَلْبِيَّةً (قَوْلُهُ: إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ) هُوَ أَوَّلُ الشَّامِيَّيْنِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>