للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ فِيهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِاسْتِقْبَالِ الْمَرْوَةِ ثُمَّ يَخْتِمُ بِهِ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فِي الْقُرْبَةِ أَكْثَرُ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَبُدَاءَتُهُ بِالصَّفَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِقْبَالِ الْمَرْوَةِ، قَالَ: وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفَ اهـ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ أَفْضَلَهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانٌ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ، فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ وَجُمَلُهُ الشَّارِعِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَقُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ رُكْنًا لِلْحَجِّ لِفَوَاتِهِ بِهِ وَتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الثَّانِي، وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّفَا قُدِّمَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ فِيمَا قُدِّمَ فِيهِ أَنَّهُ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ الْمُشْعِرِ بِشَرَفِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الدَّلَالَةِ لِمَا قَالَهُ، بَلْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ بِأَنْ يُقَالَ: مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ نَظِيرِهِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمُبَاشَرَةِ نَظِيرِهِ قَبْلَهُ يَكُونُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ تَابِعٌ لَهُ وَالضَّرُورَةُ قَاضِيَةٌ بِتَفْضِيلِ الْمَتْبُوعِ، وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْته أَنَّ الصَّفَا هِيَ الْأَصْلُ، إذْ لَا يُعْتَدُّ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَهَا فَتَكُونُ تَابِعَةً لَهَا صِحَّةً وَوُجُوبًا فَكَانَتْ الصَّفَا أَفْضَلُ، وَدَعْوَى أَنَّهَا وَسِيلَةٌ مَمْنُوعَةٌ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّهَا كَمَا لَا يَخْفَى، يُرَدُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّفَا لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ وَضَرُورَتِهِ فَلَا إشْعَارَ فِي تَقْدِيمِهَا بِأَفْضَلِيَّتِهَا، وَبِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالشَّيْءِ لَا تَسْتَلْزِمُ أَفْضَلِيَّةَ الْمَبْدَإِ عَلَى الْآخِرِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ آخِرُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ.

(وَأَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافٍ رُكْنٍ أَوْ) طَوَافِ (قُدُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ مِنْ فِعْلِهِ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ (بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ طَوِيلٌ، فَلَوْ وَقَفَ بِهَا لَمْ يَجُزْ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ، وَلَوْ نَوَى بِطَوَافِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَانْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ طَوَافَ قُدُومٍ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَانْصَرَفَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ، وَكَذَا لَوْ نَوَاهُ مُعْتَمِرًا انْصَرَفَ لِطَوَافِ عُمْرَتِهِ وَيَحْصُلُ بِطَوَافِهِمَا لِلْفَرْضِ ثَوَابُ طَوَافِ الْقُدُومِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ دَخَلَ حَلَالٌ مَكَّةَ فَطَافَ لِلْقُدُومِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَلْ لَهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَوَّلًا، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا لَوْ صَدَرَ طَوَافُ الْقُدُومِ حَالَ الْإِحْرَامِ لِشُمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لَهُمَا حِينَئِذٍ فَكَانَتْ التَّبَعِيَّةُ صَحِيحَةً لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ.

فَالْمُجَانَسَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا كُلٌّ مُحْتَمِلٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْآتِي فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يُؤَيِّدُ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ.

وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ بَعْضَ السَّعْيِ وَيُكْمِلَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الرُّكْنِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ الْمَنْعُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ؛ لِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا مُرُورٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ) مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ: يُرَدُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ امْتِنَاعِ السَّعْيِ قَبْلَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ حَيْثُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ: أَيْ السَّعْيِ وَبَيْنَ مَنْ عَادَ لِمَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْقُدُومُ، وَلَا يُجْزِئُهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ السَّعْيَ مَتَى أُخِّرَ عَنْ الْوُقُوفِ وَجَبَ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: انْصَرَفَ لِطَوَافِ عُمْرَتِهِ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الدَّرَجِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُكْنًا) أَيْ فَأَفْضَلِيَّتُهُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا نَظَّرَ بِهِ) الْمُنَظِّرُ هُوَ الشِّهَابُ فِي إمْدَادِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بَلْ قَدْ يُعَارَضُ بِنَظِيرِهِ بِأَنْ يُقَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْته) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ قَالَ: أَيْ الْمُنَظِّرُ وَمَا ذَكَرْته إلَخْ (قَوْلُهُ: يُرَدُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ) فِي هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>